يتقلب فهو صحيح كما نقول بالتمكين في التلوين فلا يزال يتلون وما كل أحد يشعر بذلك ولما علمنا أن من صفة الدهر التحول القلب والله هو الدهر وثبت أنه يتحول في الصور وأنه كل يوم في شأن واليوم قدر النفس فذلك من اسمه الدهر لا من اسم آخر إن عقلت فلو راقب الإنسان قلبه لرأى أنه لا يبقى على حالة واحدة فيعلم إن الأصل لو لم يكن بهذه المثابة لم يكن لهذا التقلب مستند فإنه بين إصبعين من أصابع خالقه وهو الرحمن فتقليب الأصابع للقلب بغير حال الإصبعين لتغير ما يريد أن يقلب القلب فيه فمن عرف نفسه عرف ربه وفي حديث الأصابع بشارة إلهية حيث أضافهما إلى الرحمن فلا يقلبه إلا من رحمة إلى رحمة وإن كان في أنواع التقليب بلاء ففي طيه رحمة غائبة عنه يعرفها الحق فإن الإصبعين أصبعا الرحمن فافهم فإنك إذا علمت ما ذكرناه علمت من هو قلب الوجود الذي يمد عالم صورته التي هو لها قلب وأجزاؤها كلها وإنه هو قلب الجمع وهو ما جمعته هذه الصورة الوجودية من الحقائق الظاهرة والباطنة فلما كان الله كل يوم هو في شأن كان تقليب العالم الذي هو صورة هذا القالب من حال إلى حال مع الأنفاس فلا يثبت العالم قط على حال واحدة زمانا فردا لأن الله خلاق على الدوام ولو بقي العالم على حالة واحدة زمانين لا تصف بالغنى عن الله ولكن الناس في لبس من خلق جديد فسبحان من أعطى أهل الكشف والوجود التنزه في تقليب الأحوال والمشاهدة لمن هو كل يوم في شأن والله هو الدهر فلا فراع لحكم هذا الدهر في العالم الأكبر والأصغر الذي هو الإنسان وهو أحد المعلومات الأربعة التي لها التأثير فالمعلوم الأول لنا الإنسان والمعلوم الثاني العالم الأكبر الذي هو صورة ظاهر العالم الإنساني والإنسان الذي هو قلب هذه الصورة ولا أريد به إلا الكامل صاحب المرتبة وهو المعلوم الثالث والمعلوم الرابع حقيقة الحقائق التي لها الحكم في القدم والحدوث وما ثم معلوم خامس له أثر سوى ما ذكرناه ويتشعب من هذا المنزل شعب الايمان وذلك بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق وأرفعها قول لا إله إلا الله وما بينهما من الشعب وهذا المنزل منزل الايمان ومنه ظهر الايمان في قلب المؤمن والخاص به الاسم المؤمن من الأسماء الإلهية فمن هنا شرع المؤمن شعب الايمان وأبانها ومن هذا المنزل أخذت أمة محمد أعمارها فغاية عمر هذه الأمة المحمدية سبعون سنة لا تزيد عليها شيئا فإن زاد فما هو محمدي وإنما هو وارث لمن شاء الله من الأنبياء من آدم إلى خالد بن سنان فيطول عمره طول من ورثه ولهذا قال النبي ص في أعمار أمته إنها ما بين الستين إلى السبعين فجعل السبعين الغاية لعمر أمته فعلمنا أنه ما يريد بأمته إلا المحمديين الذين خصهم الله برتبة ما خص الله بها نبيه من الأحكام والمراتب على جميع الأنبياء إذ كنا خير أمة أخرجت للناس وكل حكم ورتبة كانت لنبي قبله وإن كانت له ووقع له فيها الاشتراك فلم يخلص له وحده وليس له الشرف الكامل إلا بما خلص له دون غيره فأمته مثله فمن كان عند انفصاله عن الدنيا أو في حاله على شرع مشترك من هذه الأمة نسبناه إلى من ظهر به أولا قبل ظهور محمد ص ليظهر الفرق بين الأمرين ولتعرف منزلة الشخصين وإن كان ما أخذه إلا من تقرير محمد ص فإنه من أمته ولكن حكم الاشتراك يتميز عن حكم الاختصاص ومات ص وله ثلاث وستون سنة والذي يزيد على السبعين سنة بالغا ما بلغ وإن كان من أمته وممن حصل له الاختصاص المحمدي كله فإنه لا يقبض حين يقبض إلا في الشرع المشترك وما هو نقص به فإنه قد حصل حكم الاختصاص ولكن خروجه عن السبعين التي جعلها رسول الله ص غالب غاية عمر أمته المقبوضين في الحكم الاختصاصي جعله أن يفرق بينه وبين غيره من الأمة وهذا من العلوم التي لا تدرك بالرأي والقياس وإنما ذلك من علوم الوهب الإلهي وكذا ذكر أن كل واحد من الخلفاء الأربعة ما مات حتى بلغ ثلاثا وستين سنة إثباتا أنهم قبضوا في الاختصاص المحمدي لا في حكم الشرع المشترك فمن هذا المنزل تعين هؤلاء الأربعة من غيرهم وتعينت العشرة أيضا من هذا المنزل الذين هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح فهذا منزلهم الذي منه عينهم رسول الله ص وشهد لهم بالجنة في مجلس واحد بأسمائهم فإن المشهود لهم بالجنة كثيرون لكن ليس في مجلس واحد ومقيدون بصفة خاصة كالسبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب وعين منهم عكاشة بن محصن ونبه بقوله بغير حساب أي لم يكن ذلك في حسابهم
(١٩٩)