كأنهم بنيان مرصوص وأمرنا بالتراص في الصف في الصلاة وذكر أن الملائكة يتراص في الصف عند ربها وجعل صفوفنا كصفوف الملائكة وليس ذلك لغيرنا من الأمم وجاء ربك والملك صفا صفا يوم يقوم الروح وهو الإمام والملائكة صفا فالإمام صف وحده لأنه مجموع وأحديته أحدية المجموع ولذلك كان صفا وحده وتجلى الحق لأهل الصفوف في مجموع الأحدية لا في أحدية المجموع لأن كل شخص من أشخاص الصفوف يناجي من الحق ما يعطيه حضوره وما يناسب قصده وما هو عليه من العلم بربه ولهذا تجلى لهم في مجموع الأحدية فسبق لهم المجموع وأضافه إلى الأحدية حتى لا يشركوا مع الله أحدا في عبادتهم مع اختلاف مقاصدهم وعقائدهم وأحوالهم وأمزجتهم ومناسباتهم ولهذا تختلف سؤالاتهم وتكثر فلو تجلى لهم في أحدية المجموع لم يتمكن لهم النظر إلى المجموع مع وجود تقدم الأحدية ولو كان ذلك لكانت مقاصدهم مقصدا واحدا وسؤالهم سؤالا واحدا وحالاتهم في الحضور حالا واحدة وعلمهم بالله علم واحد والواقع ليس كذلك فدل على إن التجلي كان في مجموع الأحدية وإليه يرجع الأمر كله فرجع المجموع إلى الواحد وأضيف إليه لئلا يتخيلوا أن المجموع وجود أعيان وهو وجود أحكام وأن الله ما شرع الإمام في الصلاة إلا ليقابل به الأحدية التي أضاف المجموع إليها ويقابل بالجماعة مجموع الأحدية فالإمام يناجي الأحدية خاصة ولهذا اعتقد من اعتقد عصمة الإمام في الصلاة حتى يسلم وهم أصحاب الإمام المعصوم لأن الواحد لا يسهو عن أحديته إلا المعلم بالفعل فإنه يقوم به السهو ليعلم كيف يكون حكم الساهي من الجماعة وليس إلا الأنبياء خاصة وما عدا الرسل فهو متبع واحد من أهل الصف فإذا تقدم هو وليس برسول فهو معصوم لأنه ليس بمعلم هذا الذي جعل أصحاب الإمام المعصوم الذين هم الإمامية يقولون بعصمة الإمام والواقع خلاف ذلك فإنه ما من إمام إلا ويسهو في صلاته وإن لم يسه عن صلاته والجماعة تناجي مجموع الأحدية كل شخص مأموم يناجي ما يقابله من مجموع الأحدية فأي مصل صلى ولم يشاهد ما ذكرناه من إمام ومأموم فما صلى الصلاة المشروعة بالكمال وإن أتمها فما أكملها لأن تمام الصلاة إقامة نشأتها واستيفاء أركانها من فرائضها وسننها من قيام وتكبير وقراءة وركوع وخفض ورفع وهيأة وسلام إذا أتى بهذا كله فقد أتمها وإذا شاهد ما ذكرناه فقد أكملها لأن الغاية هي المرتبة وما وضعت الصلاة إلا لغايتها وهو المعبر عنه في العموم بالحضور في الصلاة أي استصحاب النية في أجزائها من أول الدخول فيها والتلبس بها إلى الخروج منها فانظر يا أخي هل صليت مثل هذه الصلاة إماما كنت أو مأموما وهل فرقت بينك وبين إمامك في الشهود أو ميزته عنك بالتقدم المكاني وبتقدم المكانة في الحكم فلا تكبر حتى يكبر ولا تركع حتى يركع ولا ترفع حتى يرفع ولا تفعل شيئا من أفعال الصلاة حتى يفعل فإن رتبتك الاتباع فالإمام متقدم على المأموم مكانا إن كان في جماعة ومكانة إن لم يكن معه إلا واحد فهو إمام بالمكانة يقابل الأحدية ويقابل مجموع الأحدية بانضمام الآخر إليه حتى كأنه الصف فالإمام إذا تقدم بالمكان والجماعة خلفه لم يشهد سوى الأحدية وإن كان في الصف مع المأموم لوحدانية المأموم شهد الإمام مجموع الأحدية وأحدية المجموع أو شهد المأموم مجموع الأحدية لا غير فميزته عنه المكانة لاتباعه إياه واقتدائه به فإن خالفه فإن ناصية المأموم بيد شيطان والشيطنة البعد والصلاة قرب فهذا قرب في عين بعد وبعد في عين قرب فلم يشهد هذا المأموم مجموع الأحدية لأنه ليس بمأموم لا مكانا ولا مكانة وإذا كان بهذه المثابة فإن الإمام في حال مخالفة المأموم له ما يشاهد إلا الأحدية لأنه ليس في صف لفقد المأموم لما زال عن مأموميته فالإمام في هذه الحال كالمصلي وحده بالنظر إلى حال هذا المأموم وهو إمام بالنظر إلى من يصلي خلفه من الملائكة والملائكة لا تصف إلا خلفه والملائكة تصف عند ربها وهي في هذه الحال عند الإمام المصلي بها وهي لم تزل عند ربها فالإمام خليفة فسجد له الملائكة والإمام يسجد لله فالله قبلة الإمام والإمام قبلة الملائكة وما أم جبريل ع بالنبي ص إلا ليعلمه الصلاة بالفعل فصلى به مكانة لا مكانا فإنه صلى به وحده ولم يتقدم عليه فعلمه عدد الصلوات في أوقاتها وهيأتها على أتم الوجوه ثم أمره إذا كان في جماعة أن يتقدمهم بالمكان ومن رأى أنه تقدم بالمكان جبريل أيضا فلم يكن ذلك إلا حتى كشف الله الغطاء عن بصر النبي ص فرأى الملائكة فرأى الجماعة فصف معهم خلف جبريل وأما على الستر فلا ولهذا صلى النبي ص بالرجل وحده وجعله على يمينه
(١٩٤)