جل وعلا من الصاحبة والولد والشريك وما نزه الحق نفسه عنه فهذا لا يؤثر في صاحب هذا المقام بل هو على كماله وذلك الواقع فيه من المفترين فإنه ما حكم عليه إلا بما شاهده منه ويقول بلسانه عنه ما يعلم خلافه في نفسه ظلما وعلوا كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين وكذلك تكون عاقبة هذا فدرجات الحق ما هو العالم عليه وصاحب هذا المقام قد تميز فيها حين ميزها فهو الإله الظاهر والباطن والأول في الوجود والآخر في الشهود والله غني عن العالمين فلا يدخله تنكير والإله يدخله التنكير فيقال إله فاجعل بالك لما نبهتك عليه لتعلم الفرقان بين قولك الله وبين قولك إله فكثرت الآلهة في العالم لقبولها التنكير والله واحد معروف لا يجهل أقرت بذلك عبدة الآلهة فقالت ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى وما قالت إلى إله كبير هو أكبر منها ولهذا أنكروا ما جاء به ص في القرآن والسنة من أنه إله واحد من إطلاق الإله عليه وما أنكروا الله ولو أنكروه ما كانوا مشركين فبمن يشركون إذا أنكروه فما أشركوا إلا بإله لا بالله فافهم فقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب وما قالوا أجعل الآلهة الله فإن الله ليس هو عند المشركين بالجعل وعصم الله هذا اللفظ أن يطلق على أحد وما عصم إطلاق إله ولقد رأيت بعض أهل الكفر في كتاب سماه المدينة الفاضلة رأيته بيد شخص بمرشانة الزيتون ولم أكن رأيته قبل ذلك فأخذته من يده وفتحته لأرى ما فيه فأول شئ وقعت عيني عليه قوله وأنا أريد في هذا الفصل أن ننظر كيف نضع إلها في العالم ولم يقل الله فتعجبت من ذلك ورميت بالكتاب إلى صاحبه وإلى هذا الوقت ما وقفت على ذلك الكتاب فمن كان ذا بصيرة وتنبه فليتفطن لما ذكرناه فإنه من أنفع الأدوية لهذه العلة المهلكة فاسم الإله من الدرجات المذكورة فلا بد منه إذ لا بد من الدرجات ومن هذا الباب قول السامري هذا إلهكم وإله موسى في العجل ولم يقل هذا الله الذي يدعوكم إليه موسى وقول فرعون لعلي أطلع إلى إله موسى ولم يقل إلى الله الذي يدعو إليه موسى ع وقال ما علمت لكم من إله غيري فما أحسن هذا التحري لتعلم إن فرعون كان عنده علم بالله لكن الرياسة وحبها غلب عليه في دنياه فإنه قال ما علمت لكم ولم يقل ما علمت للعالم لما علم إن قومه يعتقدون فيه أنه إله لهم فأخبر بما هو عليه الأمر وصدق في إخباره بذلك فإنه علم أنه ليس في علمهم إن لهم إلها غير فرعون ولما كان في نفس الأمر إن ثم درجات منسوبة إلى الله بالرفعة بكونه رفيع الدرجات كثر على وجه الاختلاف صور التجلي لهذا نطق السامري بقوله وإله موسى فإن التجلي الإلهي لا يكون إلا للإله وللرب لا يكون لله أبدا فإن الله هو الغني قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وهو سبحانه لا يتجلى لشخص في صورة واحدة مرتين ولا لشخصين في صورة واحدة فلهذا قال وإله موسى فإن تجليه للأنبياء مختلف الصور أحدي الحكم بأنه الإله في أي صورة تجلى ألا تراه في القيامة إذا تجلى ينكر ويعرف باختلاف الصور فإن قلت فقد رجع إلى الصورة حين أنكر حتى يعرف فقلنا لو علمت قوله هل بينكم وبينه علامة فتلك العلامة هي الدليل لهم حيثما رأوها عليه علموا أنه ربهم فسميت صورة تلك العلامة إذ كل معلوم ينطلق عليه اسم الصورة فبالعلامة عرفوه لا أنه كرر عليهم الصورة وإنما كانت تلك الصورة هي العلامة فدرجات الحق ليست لها نهاية لأن التجلي فيها وليس له نهاية فإن بقاء العالم ليس له نهاية فالدرجات ليست لها نهاية في الطرفين أعني الأزل والأبد اللذين ظهرا بالحال وهو العالم فلو زال العالم لم يتميز أزل من أبد كما هو الأمر عليه في نفسه فما ثم بدء في حق الحق ونفي البدء في حقه درجة من درجاته التي ارتفع بها عن مناسبة العالم ودرجات العالم التي هي عين درجاته لا يتناهى أبدها وإن كان نزول العالم في درجة منها فتلك الدرجة هي بدء للعالم لأن الدرجات لها ابتداء بل ظهور العالم فيها له ابتداء واعلم أن الحق من حيثما تميز عن الخلق كان برزخا بين الدرجات وبين الدركات فإنه وصف نفسه بأن له يدين وما بين اليدين برزخ فما كان على اليمين هو درجات الجنة لأهلها وما كان على اليد الأخرى دركات النار لأهلها فنسبة السفل إليه نسبة العلو لأنه مع العباد أينما كانوا فهو معهم في درجاتهم وهو معهم في دركاتهم كما يليق بجلاله واعلم أنه من الدرجات درجة المغفرة وهما درجتان الواحدة ستر المذنبين عن إن تصيبهم عقوبة ذنوبهم والدرجة الأخرى سترهم عن إن تصيبهم الذنوب وهذا
(١٧٨)