اقتصار حكمها على من جاء بها فدلت على غيره كما دلت عليه فإن الله جعلها علامة على صدق ما ادعاه كل واحد واحد ممن ادعى القرب من الله إما بالحال وإن لم ينطق بالدعوى لما يرى عليه من آثار طاعة ربه وإما بالدعوى من حيث نطقه بذلك ولا يقع ذلك إلا عن غفلة فإنهم مأمورون بستر هذه الآيات أعني الأولياء فهي منسوخة في الأولياء محكمة في الأنبياء والرسل فقال ما ننسخ من آية يقول من علامة أو ننسها يقول أو نتركها يعني نتركها آية للأولياء كما كانت آية للأنبياء نأت بخير منها من باب المفاضلة أي بأزيد منها في الدلالة وهي آيات الإعجاز فلا تكون إلا لأصحابها أو لمن قام فيها بالنيابة على صدق أصحابها فلا يكون لولي قط هذه العلامة من حيث صحة مرتبته وأما قوله أو مثلها الضمير يرجع إلى الآية المنسوخة فلم يكن لها صفة الإعجاز بل هي مثل الأولى ولا يصح حمل هذه الآية على أنها آي القرآن التي نزلت في الأحكام فنسخ بآية ما كان أثبت حكمه في آية قبلها فإن الله ما قال في آخر هذه الآية لم تعلم أن الله عليم خبير ولا حكيم ومثل هذه الأسماء هي التي تليق بنظم القرآن الوارد بآيات الأحكام وإنما قال الله تعالى ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير فأراد الآيات التي ظهرت على أيدي الأنبياء ع لصدق دعواهم في أنهم رسل الله فمنها ما تركها آية إلى يوم القيامة كالقرآن ومنها ما رفعها ولم تظهر إلى يوم القيامة فلما جمع الله بهذه الرحمة المركبة القرآن في الكتب لا في الصدور فإنه في الصدور قرآن وفي اللسان كلام وفي المصاحف كتاب وضع ذلك الاسم المفصل عن أمر المدبر فإنه متقدم عليه بالرتبة فلهذا له الحكم في التفصيل بالقوة وللمفصل بالفعل ومنزل الرحمة رحب واسع المجال فيه وكيف لا يتسع وقد وسعت كل شئ وهذا القدر كاف فيما يقع به المنفعة للسامعين من الناس فذكرنا حكمها في الدارين وما يعود منها علينا وهو الغرض المقصود وفي هذا المنزل معرفة منازل الرحمة المركبة وإلى كم تنتهي منازلها والمنزل الذي أكدت فيه والمنزل الذي لم تؤكد فيه وعلى كم من درج وقع التوكيد فيها وفيه علم ما لا يعلم إلا من طريق الخبر الإلهي وعلم الإبانة عن مقام الجمع كالصلاة الجامعة بين الله والعبد في قراءة فاتحة الكتاب ومن هنا يؤخذ الدليل بفرضيتها على المصلي في الصلاة فمن لم يقرأها في الصلاة فما صلى الصلاة التي قسمها الله بينه وبين عبده فإنه ما قال قسمت الفاتحة وإنما قال قسمت الصلاة بالألف واللام اللتين للعهد والتعريف فلما فسر الصلاة المعهودة بالتقسيم جعل محل القسمة قراءة الفاتحة وهذا أقوى دليل يوجد في فرض قراءة الحمد في الصلاة وفيه علم تأثير الرحمة المركبة في العالم المحمدي خاصة وفيه علم تنزيل المعاني منزلة الأشخاص وفيه علم التراجم وفيه علم الطائفة التي سمعت وقيل فيها إنها لم تسمع مع وجود الفهم فيما سمعت فما الذي نفى عنها وما الذي أبقى لها وفيه علم الحجب الكونية المظلمة والظلمانية ومن هو أهل كل حجاب وعمن حجب من حجب هل حجب عن سعادته أو عن مشاهدة ربه أو عن مشاهدة مقام رسوله وفيه علم اجتراء الكون على الله وفيه علم اللطف الإلهي بالمعاندين الرادين لأوامره المنازعين لناصريه وفيه علم ما شيب رسول الله ص الذي ذكره في سورة هود وأخواتها وفيه علم طلب السر الإلهي وفيه علم الإحاطة بما لا يتناهى وفيه علم الجزاء الذي هو على غير الوفاق الزماني فإن مدد الأعمال التي تطلب الأجور متناهية والأجر عليها غير متناه فما هو الجزاء الوفاق من غير الوفاق وفيه علم الإنكار والإقرار والتقرير والتوبيخ وما صفته وأين محله وفيه علم الخلق الجسمي والجسماني ومراتب الخلق وكم له من المقدار الزماني وفيه علم المراتب المضاف إليها الرب وفيه علم القصد الإلهي وفيه علم موضع الأجوبة التي تكون بحكم المطابقة عند سؤال السائل وفيه علم مرتبة العاقل وشرفه على العالم إذا كان عالما فإن العاقل إذا رأى ما لا بد له منه بادر إليه وغير العاقل لا يفعل ذلك وفيه علم من خلق لأمر واحد ومن خلق لأمرين فصاعدا ومن وفى بما خلق له ومن لم يوف بما خلق له وفيه علم سعادة من استكبر بحق ممن استكبر بنفسه كإبليس ومن شاء الله وفيه علم تقرير المناسبة بينه وبين خلقه وأين هذا التقرير من ليس كمثله شئ ومثل ما جاء في الخبر لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل في أرض فلاة الحديث وقوله تعالى ألم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وفيه علم المفاضلة وأصنافها ومحلها وفيه علم الاختيار الكوني وأنه مجبور في اختياره وهل له مستند إلهي في جبره في اختياره أم لا وقوله فيسبق عليه الكتاب وقوله تعالى ما يبدل القول لدي وقوله لا تبديل لخلق الله هل معناه إنما التبديل لله
(١٧٣)