البتة ولا يأخذ أبدا إلا عن الأرواح والعقول الملكية أخذ حال لا أخذ نطق إلا أن تجسد له في خياله أمر يخاطبه وصاحب الطريقة الشرعية يقلد الشارع فيما أخبره به من أنه ما ثم إله بينه وبين العالم مناسبة وإنه تعالى ليس كمثله شئ ولا يشبه شيئا من العالم أعلاه وأسفله ومع هذا كله فله عين وأعين ويد ويدان ووجه وكلام ونزول واستواء وفرح ومعية مع عباده بالصحبة وقرب وبعد وإجابة لمن دعاه ورحمة وأن العالم كله عبيد له خلقهم وفضل بعضهم على بعض وأن له غصبا وأن له خلفاء في الأرض من هذا النوع الإنساني فعند ما سمع ذلك وعلم إن ثم خليفة من نوعه تشوف إلى تلك المرتبة أن ينالها ورأى الطريق التي شرعها شارع وقته وخاطبه بها ورأى جميع ما كان يفعله صاحب تلك النفس التي فكرت بنظرها قد حرضها هذا الشارع عليه وحمده وقال به فأخذ به هذا المؤمن من حيث إن هذا الشارع جاء به وعلق الهمة بربه الذي أوجده لما أعلمه الشارع أنه المنتهى فقال له وأن إلى ربك المنتهى وليس وراء الله مرمى فجعله موضع غايته وسلك سلوك المفكر الباحث صاحب النظر العقلي لكن بالطريق الشرعي فصفت نفسه وصقلت مرآته وانتقش فيها صور العالم كله الروحاني وإلى حد الطبيعة التي دون النفس يصل أهل الفكر وما ينتقش فيهم مما فوقها إلا من يكون سلوكه على الطريق المشروع فإذا وصل هذا السالك على طريق الشرع انتقش فيه ما في اللوح المحفوظ فيرى مرتبة الشرائع ويرى نفسه وحظه ونصيبه وغايته من العالم فيعمل بحسب ما يراه فيرتفع بالطلب إلى الوجه الخاص به فيأخذ عن الحق أخذ إلهام وأخذ تجل وأخذ تنزيه وأخذ تشبيه ويعاين سريان الوجود في الممكنات ويعلم عند ذلك لمن الحكم فيما ظهر ومن هو الظاهر الذي تظهر فيه هذه الأحكام والاختلافات الروحانية والطبيعية فإذا نطق هذان الشخصان علم الكامل من الرجال الفرق بين الشخصين وعلم من أين أتى على كل واحد منهما ولما ذا نقص السالك بفكره عن رتبة المتشرع فصاحب الفكر لا يزال أبدا منكوس الرأس منتظرا ما يأتيه به الإمداد الروحاني وصاحب الشرع لا يزال منكوس الرأس حياء من التجلي الإلهي في أوقات كما لا يزال شبه الحائر الواله المبهوت إذا رآه في كل شئ فلا ينطق إلا به ولا ينظر إلا إليه ولا يعلم أن ثم عينا سواه فيطلبه الملأ الأعلى والأرواح العلى والأفلاك الدائرة المتحركة والكواكب السابحة لتوصل إليه ما أمنت عليه مما يستحقه عليها فلا تجد من يأخذ عنها بطريق الاعتبار والأدب فتؤدي ذلك أداء ذاتيا ويأخذه منها ما بقي من نشأته أخذا ذاتيا وهو غائب بربه عن هذا كله فإذا رد إلى رؤية ذاته رأى في ذاته جميع ما أعطاه العالم كله أعلاه وأسفله مما هو له وهو أمانة عندهم فشكر الله على ذلك وعلم إن كل ما في الكون مسخر له ولأمثاله ولكن لا يعلمون فإذا حصل في هذا المقام رأى أن الذين أوتوا العلم على درجات يزيدون بها على غيرهم من أمثالهم ويرى أن أمثاله بمثابته ولا علم لهم بذلك فيفرح بذاته ويحزن لهم حيث هم في مقام واحد معه ولا يشعرون بذلك وإنه ما فضل عليهم إلا بالعلم به وبهم وبما هو الأمر عليه ولما ارتقى هذه الدرجات ارتقاء كشف وتحقيق ومعاينة يقينية طلب من أين له هذه الدرجات التي ارتقى فيها واختص دون أكثر أمثاله بها فتجلى له الحق عند ذلك في اسمه رفيع الدرجات وإنه الملقي من هذه الدرجات الروح على من يشاء من عباده فعلم أنه ممن شاء من عباده فقابل الدرجات بالدرجات فإذا هي عينها لا غيرها ورأى تلك الدرجات في العالم كله وأنه فيها فأخذ يظهر للعالم بها والعالم لا يشعر فيخاطب كل إنسان من حيث هو من درجته التي له فيقول هذا معي وعلى هذا مذهبي واعتقادي فلا ينكره أحد من العالم ولا ينكر هو أحدا من العالم مع لزوم الأدب الإلهي ولا يلزم الأدب إلا صاحب المقام ومقام أن لا مقام مقام وأما صاحب الحال فقد يطهر عليه من هذا لنقصه ونزوله عن صاحب المقام ما يؤدي الناظر فيه إلى معرفته به فالكامل ينصبغ بكل صورة في العالم ويتستر بما يقدر عليه فإن كان ثم من رآه في صورة قد اختلفت عليه لأجل اختلاف الخلق اعتقد فيه عدم التقييد الذي هو عليه هذا الناظر فقال بكفره وزندقته وما علم من أين أتى عليه فينبغي لصاحب هذا المقام أن لا يظهر لشخصين في صورة واحدة أبدا كما لا يتجلى الحق لشخصين في صورة واحدة أبدا فإن الدرجات هي الدرجات فإن كفره وزندقه من لم ير اختلاف الصور عليه فذلك جهل منه وحسد فيكون ما ينسبه إليه على صورة ما ينسبه إلى الله
(١٧٧)