مقال من قال إن المسيح ابن الله وعزير ابن الله والكفاءة المثل والمرأة لا تماثل الرجل أبدا فإن الله يقول وللرجال عليهن درجة فليست له بكفو فإن المنفعل ما هو كفو لفاعله والعالم منفعل عن الله فما هو كفو لله وحواء منفعلة عن آدم فله عليها درجة الفاعلية فليست له بكفو من هذا الوجه ولما قال إنه للرجال عليهن درجة لم يجعل عيسى ع منفعلا عن مريم حتى لا يكون الرجل منفعلا عن المرأة كما كانت حواء عن آدم فتمثل لها جبريل أو الملك بشرا سويا وقال لها أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا فوهبها عيسى ع فكان انفعال عيسى عن الملك الممثل في صورة الرجل ولذلك خرج على صورة أبيه ذكرا بشرا روحا فجمع بين الصورتين التين كان عليهما أبوه الذي هو الملك فإنه روح من حيث عينه بشر من حيث تمثله في صورة البشر فسمى هذه السورة سورة الإخلاص أي خلص الحق للعالم من التنزيه الذي يبرهن عليه العقل وخلصه من العالم بمجموع هذه الصفات في عين واحدة وهي أعني هذه الصفات مفرقة في العالم لا يجمعها عين واحد فإن آدم ع أكمل صورة ظهرت في العالم ومع هذا نقصه لم يلد فإنه أحد صمد لم يولد ولم تكن له حواء كفوا فخلصت هذه السورة الحق من التشبيه كما خلصته من التنزيه فإذا فهمت ما أشرنا إليه فاعلم إن سر الإخلاص هو سر القدر الذي أخفى الله علمه عن العالم لا بل عن أكثر العالم فميز الأشياء بحدودها فهذا معنى سر القدر فإنه التوقيف عينه وبه تميزت الأشياء وبه تميز الخالق من المخلوق والمحدث من القديم فتميز المحدث بنعت ثابت يعلم ويشهد وما تميز القديم من المحدث بنعت ثبوتي يعلم بل تميز بسلب ما تميز به المحدث عنه لا غير فهو المعلوم سبحانه المجهول فلا يعلم إلا هو ولا يجهل إلا هو فسبحان من كان العلم به عين الجهل به وكان الجهل به عين العلم به وأعظم من هذا التمييز لا يكون ولا أوضح منه لمن عقل واستبصر وأما الإخلاص في الدين فهو الجزاء الوفاق فما ثم الأجزاء وفاق لا ينقص ولا يزيد فإن الله جعله جزاء وفاقا إنباء عن حقيقة لأن المجازي لا يمكن أن يقبل ما لا يعطيه استعداده وباستعداده قبل ما ظهر عليه من الدين الذي يطلب الجزاء فيه بعينه أعني الاستعداد قبل الجزاء فكان الجزاء وفاقا والجزاء ما هو إلا للعمل ولا يأخذه العامل إلا من عمله ولهذا قيل إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهو الصحيح فإنه يصدر من العاملين عمل من غير قصد ما رأته عينه ولا سمعته أذنه ولا خطر على قلبه إلا عند ما ظهر منه رأته عينه عند ذلك وخطر له كما يرى ما في الجنة مما لم يره في الدنيا ولا سمع به ولا خطر على قلبه فذلك هو الجزاء الوفاق لهذا النوع من العمل وهذا العمل هو من قوله تعالى وننشئكم فيما لا تعلمون فأظهره في منزل لا يعلمه من جهة فكره ولا رأته عينه ولا سمعته أذنه إنه يقام فيه فيكون جزاؤه ما ذكره في الجنة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فخلص الجزاء لهذا العمل بصفة الوفاق وهذا من سر القدر ولما كان الدين هو عمل الخير والدين العادة ذكر ع إن الخير عادة وهذا الذكر بشارة من عالم بالأمور وهو الرسول ص بأن النفس خيرة بالذات وما تقبل الشر إلا لجاجة من القرين بما يلج عليها به فلم يجعل الشر من ذاتها فقال ص الخير عادة والشر لجاجة ولما ألح القرين على النفس ولج بالشر الذي هو عين مخالفة أمر الله ونهيه وضاقت منافسها من هذا الإلحاح واللجاج أوحى الله إليها بل كلمها من الوجه الخاص الذي لا يعرفه الملك بأن تقبل منه ما ألح عليها به من الشر فرأى الحق فيها استيحاشا وخوفا من المكر الإلهي فأشهدها حضرة التبديل وأشهدها مال المكلفين إلى الرحمة وتلا عليها يبدل الله سيئاتهم حسنات وتلا عليها في المسرفين لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا فأزال وحشتها وقبلت من القرين الشر الذي جاء به إليها فسر بما وقع منها من القبول لجهله بعموم الرحمة وعموم العفو والمغفرة وإن الله ما جعل العفو إلا لهذا الصنف الذي يتلقى من الشيطان القرين ما جاء به من الشر وما علم إن الله قد جعل النفس في قبولها شر القرين باللجاج والإلحاح منزلة المكره والمكره غير مؤاخذ فسمى الشر لجاجة بشارة إلهية لا يشعر بها كل أحد وجعل الخير عادة فإن النفس بالذات خيرة لأن أباها الروح القدسي الطاهر فطبعها الخير لا غيره وأمها هذه الصورة المسواة من هذه الأخلاط فأول قبول ظهر فيها قبول السواء والعدل وهو قوله فسواك فعدلك وقبول العدل عين الخير وقبلت بالأصالة هذه النشأة مجاورة الأضداد وهي الأخلاط ومن عادة الضد المنافرة عن ضده ولم يوجد هنا
(١٨٢)