الستر هو ستر العصمة فقال في الستر الواحد من المغفرة وقهم عذاب الجحيم وقال في الستر الآخر من المغفرة وقهم السيئات وما ثم للمغفرة ستر آخر فالستر الحائل بين المذنب والعذاب ستر كرم وعفو وصفح وتجاوز والستر الحائل بين العبد والذنب ستر عناية إلهية واختصاص وعصمة يوجب ذلك خوفا أو رجاء أو حياء كما جاء في صهيب نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فسبب عصمته من وجود المعصية خوفه ولو لم يكن الخوف لمنعه الحياء من الله تعالى أن يجري عليه لسان ما يسمى ذنبا في حق من كان ولو لم يكن ذنبا في حقه لكونه ما أقيم إلا فيما أبيح له وهذه غاية العناية والعصمة من التصرف في المباح وأعظم المعاصي ما يميت القلوب ولا تموت إلا بعدم العلم بالله وهو المسمى بالجهل لأن القلب هو البيت الذي اصطفاه الله من هذه النشأة الإنسانية لنفسه فغصبه فيه هذا الغاصب وحال بينه وبين مالكه فكان أظلم الناس لنفسه لأنه حرمها الخير الذي يعود عليها من صاحب هذا البيت لو تركه له فهذا حرمان الجهل غير إن هنا نكتة ينبغي التنبيه عليها وذلك أن صاحب القلب الذي يرى أنه وسع القلب ربه دون سائر نشأته ينزل عن درجة من يرى أن الحق عين نشأته من غير تخصيص إذ كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه فما اختص منه بشئ دون شئ فصاحب القلب مراقب قلبه وصاحب الحالة الأخرى يحكم بربه على كل شئ استتر فيه ربه عن ذلك الشئ وهو مشهود لصاحب هذه الصفة في ذلك الستر فيعامله بما يوحى إليه به فإن أوحي إليه بالكشف عنه اعتناء من الحق بهذا المستور عنه كشفه له وأعرب له عن نفسه وعرفه ما هو الحق منه وإن أوحي إليه بإبقاء الستر عليه أبقاه ولم يظهر له شيئا مما هو في نفسه عليه هذا المستور فيحكم صاحب هذه الصفة على صاحب القلب ولا يحكم عليه صاحب القلب لشغله بحراسة قلبه الذي هو بيت ربه لئلا يدخل فيه غير ربه فإنه الحفيظ البواب فإذا فهمت هذا فانظر أي الرجلين تكون ولهذا أهل المراقبة لا يزالون في الحجاب عن التصرف في الكون وهم أهل الحدود في الله فإذا ارتفعوا عن مراقبة قلوبهم فهو أعظم الحجب وإذا تعدوا في مراقبة قلوبهم مراقبة العالم بأسره اتسع عليهم المجال ولكن ما لهم حكم صاحب ذلك الوصف الذي ذكرنا فإنهم مراقبون إياه لكونه مراقبا إياهم لأنه على كل شئ رقيب فقابلوا الحفظ بالحفظ مقابلة الأمثال بالموازنة والمطابقة فكما راقبهم بعينه راقبه هذا المراقب بعينه أيضا ومن كان حقا كله في نفسه وفي العالم خرج عن صفة المراقبة فإنها مقام سلوك ومحجة فإذا سلكت فيه به ومنه إليه لم يكن ثم من يراقب إذ لا خوف في ذلك الطريق من مانع يمنع السالك فيه فهو سلوك لا مراقبة فيه ويتضمن هذا المنزل من العلوم علم إسبال الستور وعلى من تسبل فقد يسبل الستر على جهة التعظيم كالحجاب والستر الذي وراءه الملك أو المخدرة ويسبل الستر أيضا دون من لا يرتضي للكشف لما وراء الستر وقد تسبل الأستار رحمة بمن تسبل دونهم كالحجب الإلهية بين العالم وبين الله إبقاء عليهم لئلا تحرقهم السبحات الوجهية فيتضمن علم لماذا تسدل وعلى من تسدل وفيه علم صور تركيب الكلام الإلهي مع أحديته من أين قبل التركيب وما هو إلا واحد العين ليفرق الإنسان العالم بين حقيقة الكلام وبين ما يتكلم به من له صفة الكلام فيعلم إن التركيب فيما يتكلم به لا في الكلام وعلم هذا النوع من المعلومات علم عزيز لا يختص به إلا العلماء بالله الذين سمعوا كلام الله في أعيان الممكنات وفيه علم القابل والمقبول منه والقبول الذي هو نعت القابل وهل يتنوع القبول لتنوع القابل أو لا أثر للقابل فيه وفيه علم الحدود الإلهية لماذا ترجع هل إليها في ذاتها أو إلى الله أو إلى الممكنات التي هي العالم وفيه علم صفات المنازعين الذين يعلمون الحق فيسترونه مثل الفقهاء الذين يلتزمون مذهبا لا يعتقدون صحته فيناظرون عليه مع علمهم ببطلانه والخصم الذي يكون في مقابلته يأتي بالحق على بطلانه ويعلم هذا الآخر أن الحق بيد صاحبه فيرده ويظهر الباطل في صورة الحق على علم منه فهل يستوي هو ومن يظن في الباطل أنه حق فيذب عنه لكونه عنده إنه حق وما حكم هؤلاء عند الله يوم القيامة وهل لهم مستند إلهي أم لا وفيه علم الفرق بين الإنكار والجحد والكذب وهل هذا كله أمر عدمي أو وجودي فإن كان وجوديا ففي أي مرتبة هو من مراتب الوجود هل يعمها كلها أو هو في بعضها وكذلك إن كان عدميا في أي مرتبة هو من مراتب العدم هل هو في مرتبة العدم الذي لا يقبل الوجود وهل ثم للعدم مرتبة لا يقبل الوجود بنسبة ما أومأ ثم عدم إلا ويقبل نسبة إلى مرتبة وجودية أو هو في مرتبة العدم الذي يقبل المنعوت به الوجود
(١٧٩)