تنافر فدل على خيرية الأصل ثم قبولها بعد التعديل والتسوية لنفخ الروح القدسي فكان أول قبول قبلته على ما زاد على نشأتها نفخ هذا الروح الخير الطاهر المطهر فلهذا كان الخير لها عادة بالطبع الذي طبعت عليه ولهذا ترجع في المال إلى أصلها فإن الأصل منها ما ذكرناه من قبول الخير فتلحقها الرحمة في المال كما كان وجودها عين الرحمة فختم الأمر بما به بدأ والخاتمة عين السابقة ومما يؤيد ما ذكرناه أن أول نشأة إنسانية التي كانت أصل النشآت الإنسانية كانت في غاية التقديس وأوج الشرف بكونها مخلوقة على الصورة الإلهية فلم يظهر عنها إلا المناسب فكما كان المناسب لها مع وجود المخالفة التي تعطيها حقائق الأسماء الإلهية المقابلة أن لا يتطرق إليها لمخالفة بعضها بعضا لسان ذم كذلك ما ظهر من المخالفة في هذه النشأة الإنسانية لا يتطرق إليها في المال تسرمد عذاب فإن الأصل يحميها من ذلك وهو الصورة فكانت مجبورة في مخالفتها فلا بد من المخالفة لأنه لا بد من تقابل الأسماء في الذي خلقت على صورته فالنافع ما هو الضار ولا المعطي هو المانع ولا بد من ظهور هذه الحقائق في هذه النشأة حتى يصح كمال الصورة فالطائع يقابل العاصي والمشرك يقابل الموحد والمعطل يقابل المثبت والموافق يقابل المخالف من إمداد الأسماء الإلهية وهو قوله كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك يعني الطائع والعاصي وأهل الخير والشر وما كان عطاء ربك محظورا أي ممنوعا لأنه يعطي لذاته والمحال القوابل تقبل باستعدادها واستعدادها أثر الأسماء الإلهية فيها ومن الأسماء الإلهية الموافق والمخالف مثل الموافق الرحيم والغفور وأشباهه ومثل المخالف المعز والمذل فلا بد أن يكون استعداد هذا المحل في حكم اسم من هذه الأسماء فيكون قبوله للحكم الإلهي بحسب ذلك فأما مخالف وإما موافق ومن كان هذا حاله كيف يتعلق به ذم ذاتي والأعراض لا ثبات لها فالخير في الإنسان ذاتي وهو الذي يبقى لها حكمه والشر عرضي فيزول ولو بعد حين قال تعالى ولتعلمن نبأه بعد حين وهذا مثل قوله يا عبادي فأضافهم إلى نفسه كما أضاف إلى نفسه نفوسهم في خلقها فقال ونفخت فيه من روحي وكلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ثم قال الذين أسرفوا على أنفسهم والإسراف كرم عام خارج عن الحد والمقدار وكذا قال في الإنفاق لم يسرفوا ولم يقتروا أي لم يوسعوا ما يخرج عن الحاجة ولم يقتروا لم ينقصوا مما تمس إليه الحاجة لا تقنطوا من رحمة الله فإنها وسعت كل شئ وأنتم من الأشياء وقد عرفتكم كيف أنشأتكم ومن أي شئ أنشأتكم من روح مطهرة وطبيعة موافقة قابلة طائعة غير عاصية ولا مخالفة إن الله يغفر الذنوب جميعا فما أبقى منها شيئا فبأي شئ يسر مد عليهم العذاب ولا يكون إلا جزاء وفاقا وقد غفر وما غفر له فلا حكم له فإن الذي غفر له هو الغفور الرحيم والغفور الرحيم لذاته فلا يبرح من حين له يغفر مغفورا له لا يعود إليه حكم الذنب لأن الحافظ هو الغفور الرحيم فلو أزاله وغفره غير هذا الاسم وأمثاله أمكن أن لا يثبت لعدم الحافظ له فتنبه لما أعلمناك به فإنه من لباب المعرفة واعلم أن الكمل من رجال الله الخلفاء في العالم الذين عبدوا على المشاهدة لا على الغيب هم الذين تكون لهم الرؤية الإلهية جزاء لا زيادة ومن نزل عن هذا الكمال هو الذي تكون له زيادة على الجزاء في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وهو قول رسول الله ص إذا وزنت فارجح لما قضى رسول الله ص ما كان عليه فلما وزنه قال للذي بيده الميزان أرجح ليزيد له على ما يستحق لما رأى أن الحق قد ذكر الزيادة على المعاوضة وقال في هذا المقام أحسنكم أحسنكم قضاء فهذا هو الإخلاص في الدين الذي هو الجزاء وهنا يظهر معنى قوله ص وأعوذ بك منك لأنه لما نطق ص بالاستعاذة به بضمير الخطاب من غير تعيين اسم لم يجد له مقابلا لأنه ما عين اسما فلم يجد من يستعيذ منه فرأى نفسه على صورته فقال منك فاستعاذ بالله من نفسه لأن النفس الذي هو المثل وردت في القرآن مثل قوله فلا تزكوا أنفسكم أي أمثالكم وقال ص لا أزكي على الله أحدا وقال كخيفتكم أنفسكم أي أمثالكم فيتوجه قوله وأعوذ بك منك أن الكافين واحدة ويتوجه أن الكاف في منك تعود على المثل وهو نفس المستعيذ فإنه خليفة محصل للصورة على أتم الوجوه فاستعاذ بالله من نفسه لما يعلمه من المكر الخفي الإلهي فإنه ما أظهر الصورة المثلية في هذه النشأة على التشريف فقط بل هي شرف وابتلاء فمن ظهر بحكم الصورة على الكمال فقد حاز الشرف بكلتي يديه فإن الصورة الإلهية لا يلحقها ذم بكل وجه ومن نقص عن هذا الكمال كان في حقه مكرا إلهيا من حيث لا يشعر كما إن الخلافة في العالم ابتلاء لا تشريف ولهذا قال ص إنها في الآخرة مندمة لما يتعين على
(١٨٣)