جبرا لقلوبهم لما فقدوه من مشاهدة الرسول ص وكان خيرا لهم فإنهم لا يعرفون كيف كانت تكون أحوالهم عند المشاهدة هل يغلبهم الحسد أو يغلبونه فكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا فاعرف يا ولي منزلتك من هذه الصورة الإنسانية التي محمد ص روحها ونفسها الناطقة هل أنت من قواها أو من محال قواها وما أنت من قواها هل بصرها أم سمعها أم شمها أم لمسها أم طعمها فإني والله قد علمت أي قوة أنا من قوى هذه الصورة لله الحمد على ذلك ولا تظن يا ولي أن اختصاصنا في المنزلة من هذه الصورة بمنزلة القوي الحسية من الإنسان بل من الحيوان إن ذلك نقص بنا عن منزلة القوي الروحانية لا تظن ذلك بل هي أتم القوي لأن لها الاسم الوهاب لأنها هي التي تهب للقوى الروحانية ما تتصرف فيه وما يكون به حياتها العلمية من قوة خيال وفكر وحفظ وتصور ووهم وعقل وكل ذلك من مواد هذه القوي الحسية ولهذا قال الله تعالى في الذي أحبه من عباده كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به وذكر الصورة المحسوسة وما ذكر من القوي الروحانية شيئا ولا أنزل نفسه منزلتها لأن منزلتها منزلة لافتقار إلى الحواس والحق لا ينزل منزلة من يفتقر إلى غيره والحواس مفتقرة إلى الله لا إلى غيره فنزل لمن هو مفتقر إليه لم يشرك به أحدا فأعطاها الغني فهي يؤخذ منها وعنها ولا تأخذ هي من سائر القوي إلا من الله فاعرف شرف الحس وقدره وأنه عين الحق ولهذا لا تكمل النشأة لآخرة إلا بوجود الحس والمحسوس لأنها لا تكمل إلا بالحق فالقوى الحسية هم الخلفاء على الحقيقة في أرض هذه النشأة عن الله ألا تراه سبحانه كيف وصف نفسه بكونه سميعا بصيرا متكلما حيا عالما قادرا مريدا وهذه كلها صفات لها أثر في المحسوس ويحس الإنسان من نفسه بقيام هذه القوي به ولم يصف سبحانه نفسه بأنه عاقل ولا مفكر ولا متخيل وما أبقى له من القوي الروحانية إلا ما للحس مشاركة فيه وهو الحافظ والمصور فإن الحس له أثر في الحفظ والتصوير فلو لا الاشتراك ما وصف الحق بهما نفسه فهو الحافظ المصور فهاتان صفتان روحانية وحسية فتنبه لما نبهناك عليه لئلا ينكسر قلبك لما أنزلتك منزلة القوي الحسية لخساسة الحس عندك وشرف العقل فأعلمتك إن الشرف كله في الحس وإنك جهلت أمرك وقدرك فلو علمت نفسك علمت ربك كما إن ربك علمك وعلم العالم بعلمه بنفسه وأنت صورته فلا بد أن تشاركه في هذا العلم فتعلمه من علمك بنفسك وهذه نكتة ظهرت من رسول الله ص حيث قال من عرف نفسه عرف ربه إذ كان الأمر في علم الحق بالعالم علمه بنفسه وهذا نظير قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم فذكر النشأتين نشأة صورة العالم بالآفاق ونشأة روحه بقوله وفي أنفسهم فهو إنسان واحد ذو نشأتين حتى يتبين لهم للرائين أنه الحق أي أن الرائي فيما رآه الحق لا غيره فانظر يا ولي ما ألطف رسول الله ص بأمته وما أحسن ما علمهم وما طرق لهم فنعم المدرس والمطرق جعلنا الله ممن مشى على مدرجته حتى التحق بدرجته آمين بعزته فإن كنت ذا فطنة فقد أومأنا إليك بما هو الأمر عليه بل صرحنا بذلك وتحملنا في ذلك ما ينسب إلينا من ينكر ما أشرنا به في هذه المسألة من العمي الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ووالله لولا هذا القول لحكمنا عليهم بالعمى في ظاهر الحياة الدنيا والآخرة كما حكم الله عليهم بعدم السماع مع سماعهم في قوله تعالى ناهيا ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون مع كونهم سمعوا نفى عنهم السمع وهكذا هو علم هؤلاء بظاهر الحياة بما تدركه حواسهم من الأمور المحسوسة لا غير لأن الحق تعالى ليس سمعهم ولا بصرهم فلنذكر ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم إن شاء الله فمن ذلك علم عطش العالم الذي لا يقبل معه الري من العلم بالله وفيه علم استناد هذه العلم الذي أعطاه هذا التعطش إلى حضرة الجمع الذي فيه عين الفرقة وفيه علم ما يحصل بالذكر هل هو علم ما نسيه أو مثله لا عينه لشبهة في الصورة فإنه كان عالما بأمر ثم نسيه لما تعطيه نشأته فلم تحفظ عليه صورة علمه بذلك المعلوم ثم ذكره بعد ذلك فهل ما شاهده في ذكره عين ما نسيه أو مثله فإن الزمان قد اختلف عليه مع شبه الزمان بعضه ببعضه فأنت تعلم أن عين أمس ما هو عين اليوم ولا عين غد مع شبهه به في الصورة فمن أي قبيل هو علم الذكر فإن كان هو عينه فمن حفظه حتى ذكره وأين خزانة حفظه هل هي في الناسي ولا ندري أو لها موضع آخر تحفظ فيه زمان نسيانه فإذا تذكر كان عين
(١٨٩)