الرحمة المركبة وكان الذي يعضدهم أولا غضب الله الذي ظهر من إغضاب المخالفين فلما انقضى مجلس المحاكمة وكان الحق قد أمر بمن أمر به إلى السجن وهو جهنم كما قال وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أي سجنا لأن المحصور مسجون ممنوع من التصرف بخلاف أهل الجنة فإن لهم التبوأ منها حيث يشاءون وليس كذلك أهل النار وهذا من الرفق الإلهي الخفي بعباده فلو أعطاهم التبوؤ من النار حيث يشاءون لكانوا لا يستقر بهم قرار طلبا للفرار من العذاب إذا أحسوا به رجاء أن يكون لهم في مكان آخر منها راحة وفي وقت العذاب ما فيها راحة فكان لا يبقى في جهنم نوع من العذاب إلا ذاقوه والعذاب المستصحب أهون من العذاب المجدد وكذا النعيم ولهذا يبدل الله جلودهم في النار إذا نضجت ليذوقوا العذاب فيمشي عليهم زمان يذوقون فيه العذاب مستصحبا إلى أن تنضج الجلود وحينئذ يتجدد عليهم بالتبديل عذاب جديد فلو كان لهم التبوؤ من جهنم حيث يشاءون لما استقروا حتى تنضج جلودهم بل كانوا يذوقون في كل موضع ينتقلون إليه عذابا جديدا إلى حصول الإنضاج فيكون ذلك الانتقال أشد في عذابهم فرحمهم الله من حيث لا يشعرون كما مكر بهم من حيث لا يشعرون فهذه سبعمائة رحمة وتسع عشرة رحمة مائة منها بيد الله لم يتصرف فيها أحد من خلق الله اختص بها لنفسه بها يرحم الله عباده بارتفاع الوسائط بل منه للمرحوم خاصة وهي على عدد الأسماء الإلهية أسماء الإحصاء التسعة والتسعين اسما رحمة واحدة لكل اسم من هذه المائة التي بيد الله لا علم لمخلوق بها وتمام المائة الرحمة المضافة إليه التي وسعت كل شئ فبهذه المائة رحمة ينظر إلى درج الجنة وهي مائة درجة وبها بعد انقضاء زمان استحقاق العذاب ينظر إلى دركات النار وهي مائة درك كل درك يقابل درجة من الجنة فتتأيد بهذه الرحمة الواسعة التسع عشرة رحمة التي تقاوم ملائكة العذاب في النار وتلك الملائكة قد وسعتهم فيجدون في نفوسهم رحمة بأهل النار لأنهم يرون الله قد تجلى في غير صورة الغضب الذي كان قد حرضهم على الانتقام لله من الأعداء فيشفعون عند الله في حق أهل النار الذين لا يخرجون منها فيكونون لهم بعد ما كانوا عليهم فيقبل الله شفاعتهم فيهم وقد حقت الكلمة الإلهية أنهم عمار تلك الدار فيجعل الحكم فيهم للرحمة التي وسعت كل شئ ولهذه التسعة عشرة رحمة التي هي الرحمة المركبة فأعطاهم في جهنم نعيم المقرور والمحرور لأن نعيم المقرور بوجود النار ونعيم المحرور بوجود الزمهرير فتبقى جهنم على صورتها ذات حرور وزمهرير ويبقى أهلها متنعمين فيها بحرورها وزمهريرها ولهذا أهل جهنم لا يتزاورون إلا أهل كل طبقة في طبقتهم فيتزاور المحرورون بعضهم في بعض ويتزاور المقرورون بعضهم في بعض لا يزور مقرور محرورا ولا محرور مقرورا وأهل الجنة يتزاورون كلهم لأنهم على صفة واحدة في قبول النعيم لأنهم كانوا هنا أعني في دار التكليف أهل توحيد لم يشركوا توحيد علم أو توحيد إيمان وأهل النار لم يكن لهم صفة التوحد وكانوا أهل شرك فلهذا لم يكن لهم صفة أحدية تعمهم في النعيم مطلقا من غير تقييد فهم في جهنم فريقان وأهل الجنة فريق واحد فينفرد كل شريك بطائفة وهؤلاء هم الثنوية ما ثم غيرهم وهم أهل النار الذين هم أهلها وأما أهل التثليث فيرجى لهم التخلص لما في التثليث من الفردية لأن الفرد من نعوت الواحد فهم موحدون توحيد تركيب فيرجى أن تعمهم الرحمة المركبة ولهذا سموا كفارا لأنهم ستروا الثاني بالثالث فصار الثاني بين الواحد والثالث كالبرزخ فربما لحق أهل التثليث بالموحدين في حضرة الفردانية لا في حضرة الوحدانية وهكذا رأيناهم في الكشف المعنوي لم نقدر أن نميز ما بين الموحدين وأهل التثليث إلا بحضرة الفردانية فإني ما رأيت لهم ظلا في الوحدانية ورأيت أعيانهم في الفردية ورأيت أعيان الموحدين في الوحدانية والفردانية فعلمت الفرق بين الطائفتين وأما ما زاد على أهل التثليث فالكل ناجون بحمد الله من جهنم ونعيمهم في الجنة يتبوؤون منها حيث يشاءون كما كانوا في الدنيا ينزلون من حضرات الأسماء الإلهية حيث يشاءون بوجه حق مشروع لهم كما كانوا إذا توضئوا يدخلون من أي باب شاءوا من أبواب الجنة الثمانية وإذا علمت هذا فاعلم أن هذه الرحمة المركبة تعم جميع الموجودات وأنها مركبة من رحمة عامة وهي التي وسعت كل شئ ومن رحمة خاصة وهي الرحمة التي تميز بها من اصطفاه الله واصطنعه لنفسه من رسول ونبي وولي وبهذه الرحمة المركبة جمع الله الكتب وأنزل كل كتاب سورا وآيات فمن آياته ما بقي كالقرآن وكل آية ظهرت بطريق الإعجاز ومن آياته ما لم يبق فبقي
(١٧٢)