أوجده طلب منه ما استحق عليه من الأجر في ذلك ولم يجعل نفسه في إيجاده متبرعا فقال له اعبدني وسبح بحمدي فسبحه وعبده جميع ما أوجده من الممكنات ووفاه أجره ما عدا بعض الناس فلم يوفه أجر ما أوجده له فتعينت عليه مطالبة العامل وتعين على الحكم العدل أن يحكم على المعمول له بأداء الأجر الذي وقع الاتفاق عليه وسرى حكم هذه الإجارة في جميع الممكنات لأن الأعمال تطلبها بذاتها ولهذا إذا تبرع العامل وترك الأجر لا يزيل ذلك قيمة ذلك العمل فيقال قيمة هذا العمل كذا وكذا سواء أخذ العامل أجره أو لم يأخذه وسواء قدره ابتداء أو لم يقدره فإن صورة العمل تحفظ قيمة الأجر وقد أخبر الله عن نفسه أنه داخل تحت حكم هذه الحقوق وكيف لا يكون ذلك وهو الحكيم مرتب الأشياء مراتبها فمنها ما لم نعرفه حتى عرفنا به مثل قوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين فالنصر أجر الايمان لذاته ولكن يقتضيه المؤمن وهو الذي صفته الايمان وهو سبحانه وفى فلا بد من نصر الايمان ولا يظهر ذلك إلا في المؤمن والمؤمن لا يتبعض فيه الايمان فاعلم ذلك وكل من تبعض فيه الايمان لأجل تعداد الأمور التي يؤمن بها فآمن المؤمن ببعضها وكفر ببعضها فليس بمؤمن فما خذل إلا من ليس بمؤمن فإن الايمان حكمه أن يعم ولا يخص فلما لم يكن له وجود عين في الشخص لم يجب نصره على الله فإذا ظهر الكافر على المؤمن في صورة الحكم الظاهر فليس ذلك بنصر للكافر عليه وإنما الذي يقابله لما ولى وأخلي له موضعه ظهر فيه الكافر وهذا ليس بنصر إلا مع وقوف الخصم فيغلبه بالحجة ومما أوجب الحق من ذلك على نفسه أيضا أعني من الأجر الرحمة فجعلها أجرا على نفسه واجبا لمن تاب من بعد ما عمل من السوء وأصلح عمله وقد يتبرع متبرع بأجر يتحمله لعامل عمل لغيره عملا لم يعمله لهذا المتبرع مثل قوله في المظلوم إذا عفا عمن ظلمه ولم يؤاخذه بما استحق عليه وأصلح فأجره على الله وكان ينبغي أن يكون أجره على من تركت مطالبته بجنايته فتحمل الله ذلك الأجر عنه إبقاء على المسئ ورحمة به فلا يبقى للمظلوم عليه حق يطالبه به ولما كان العمل يطلب الأجر بذاته ويعود ذلك على العامل وأداء الرسائل عمل من المؤدي لأن المرسل استعمله في أداء رسالته لمن أرسله إليه فوجب أجره عليه لأن المرسل إليه ما استعمله حتى يجب عليه أجره ولهذا قالت الرسل لأممها عن أمر الله تعريفا للأمم بما هو الأمر عليه قل ما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على الله فذكروا استحقاق الأجر على من يستعملهم ولم يقولوا ذلك إلا عن أمره فإنه قال لكل رسول قل ما أسئلكم عليه من أجر واختص محمد ص بفضيلة لم ينلها غيره عاد فضلها على أمته ورجع حكمه ص إلى حكم الرسل قبله في إبقاء أجره على الله فأمره الحق أن يأخذ أجره الذي له على رسالته من أمته وهو أن يودوا قرابته فقال له قل لا أسألكم عليه أجرا أي على تبليغ ما جئت به إليكم إلا المودة في القربى فتعين على أمته أداء ما أوجب الله عليهم من أجر التبليغ فوجب عليهم حب قرابته ص وأهل بيته وجعله باسم المودة وهي الثبوت في المحبة فلما جعل له ذلك ولم يقل إنه ليس له أجر على الله ولا أنه بقي له أجر على الله وذلك ليجدد له النعم بتعريفه ما يسر به فقيل له بعد هذا قل لأمتك آمرا ما قاله رسول لأمته قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله فما أسقط الأجر عن أمته في مودتهم للقربى وإنما رد ذلك الأجر بعد تعينه عليهم فعاد ذلك الأجر عليهم الذي كان يستحقه رسول الله ص فيعود فضل المودة على أهل المودة فما يدري أحد ما لأهل المودة في قرابة رسول الله ص من الأجر إلا الله ولكن أهل القربى منهم ولهذا جاء بالقربى ولم يجئ بالقرابة فإنه لا فرق بين عقيل في القرابة النسبية وبين علي فإنهما ابنا عم رسول الله ص في النسب فعلى جمع بين القربى والقرابة فوددنا من قرابته ص القربى منهم وهم المؤمنون ولذلك فرق عمر رضي الله عنه بين من هو أقرب قرابة وأقرب قربى وهو عربي نزل القرآن بلسانه فلو لا ما في ذلك فرقان في لسانهم واصطلاحهم ما فرق عمر بين القربى والقرابة وانظر ذلك في القرآن في المغانم في قوله تعالى فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى وليسوا إلا المؤمنين من القرابة فجاء بلفظ القربى دون لفظ القرابة فإن القرابة إذا لم يكن لهم قربى الايمان لا حظ لهم في ذلك ولا في الميراث وهو قول النبي ص يوم دخل مكة ما ترك لنا عقيل من دار لأنه الذي ورث أباه دون علي لإيمان علي وكفر عقيل وقال تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم
(١٦٨)