من تنسب إليه فلذلك قلنا فيه إنه أم الكتاب الذي عنه خرجت الكتب المنزلة واختلفت الألسنة به لقبوله إياها بحقيقته فقيل فيه إنه عربي وإنه عبراني وإنه سرياني بحسب اللسان الذي أنزل به وهذا هو عين الجعل في القرآن وعين نسبة الحدوث إليه في قوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فهو محدث الإتيان وما هو الإتيان عين الإنزال كما أنه ليس بعين الجعل والجعل يكون بمعنى الخلق وبغيره فما ينسب إلى القرآن من قوله محدث فهو من حكم الجعل الذي بمعنى الخلق فلا فرق بين قوله ثم جعلناه نطفة في قرار مكين وبين قوله إنا جعلناه قرآنا عربيا في الحكم واعلم أن تحقيق عندية كل شئ راجعة إلى نفسه ولهذا قال ما عندكم ينفد فإن حكمكم النفاد وما عند الله باق فإنه له البقاء فلو كانت عندية الشئ غير نفس الشئ ما نفد ما عندنا لأنا وما عندنا عند الله وما عند الله باق فنحن وما عندنا باق فتبين لك أن عندية كل شئ نفسه والعندية في اللسان ظرف مكان أو ظرف محلي كالجسم للعرض اللوني الذي يدركه البصر فهو أجلي فيما ترومه من الدلالة فهو بحيث محله وصاحب المكان ما هو بحيث المكان والعندية جامعة للامرين ولما لم يمكن في التقليد الضروري أن يجحد أحد من استند إليه في وجوده لذلك أقربه من من شأنه الإنكار والجحود فإن قلت فالمعطلة أنكرت قلنا المعطلة ما أنكرت مستندا وإنما أنكرت وعطلت الذي عينتموه أنتم إنه المستند ما عطلت المستند فقلتم أنتم هو كذا فعطلته المعطلة وقالت بل المستند كذا فكما إن أولئك معطلة أنتم أيضا معطلة تعطيلهم لكن اختص أولئك باسم المعطلة وهم على ضروب في التعطيل محل العلم بذلك وأمثاله العلم بالنحل والملل وهو علم لا ينبغي للمؤمن أن يقرأه ولا ينظر فيه جملة كما يتعين على أهل الله أن يعرفوا علم كل نحلة وملة بالله ليشهدوه في كل صورة فلا يقومون في موطن إنكار لأنه تعالى سار في الوجود فما أنكره إلا محدود وأهل الله تابعون لمن هم له أهل فيجري عليهم حكمه وحكمه تعالى عدم التقييد فله عموم الوجود فلأهله عموم الشهود فمن قيد وجوده قيد شهوده وليس هو من أهل الله واعلم أن الله لما مهد هذه الخليقة جعلها أرضا له فوصف نفسه بالاستواء وبالنزول إلى السماء وبالتصرف في كل وجهة الكون موليها فأينما تولوا فثم وجه الله فول وجهك شطر المسجد الحرام فإنه لا يرفع حكم إن وجه الله حيثما توليت ولكن الله اختار لك ما لك في التوجه إليه سعادتك ولكن في حال مخصوص وهي الصلاة وسائر الأينيات ما جعل الله لك فيها هذا التقييد فجمع لك بين التقييد والإطلاق كما جمع لنفسه بين التنزيه والتشبيه فقال ليس كمثله شئ وهو السميع البصير فالعالم كله أرض ممهدة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا هل ترى من تفاوت فارجع البصر قرآنا عربيا غير ذي عوج والحق صفة العالم لأن صفته الوجود وليس إلا لله ولذلك ورد في الخبر الصحيح كنت سمعه وبصره وهكذا جميع قواه وصفاته فلما كان العالم ظرفا مكانيا لمن استوى عليه ظهر بصورته سئل الجنيد عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه فجعل الأثر للظرف في المظروف وذلك لتعلم من عرفت فتعلم أنك ما حكمت على معروفك إلا بك فما عرفت سواك فأي لون كان للآباء ظهر الماء للبصر بحسب لون الإناء فحكم من لا علم له بأنه كذا لأن البصر أعطاه ذلك فله التجلي في كل صورة من صور الأواني من حيث ألوانها فلم يتقيد في ذاته الماء ولكن هكذا تراه وكذلك تؤثر فيه أشكال الظروف التي يظهر فيها وهو ماء فيها كلها فإن كان الوعاء مربعا طهر في صورة التربيع أو مخمسا ظهر في صورة التخميس أو مستديرا ظهر في صورة الاستدارة لأن له السيلان فهو يسرى في زوايا الأوعية ليظهر تشكلها فهو الذي حمل الناظرين لسريانه إن يحكموا عليه بحكم الأوعية في اللون والشكل فمن لم يره قط إلا في وعاء حكم عليه بحكم الوعاء ومن رآه بسيطا غير مركب علم إن ما ظهر فيه من الأشكال والألوان إنما هو من أثر الأوعية فهو في الأوعية كما هو في غير وعاء بحده وحقيقته ولهذا ما زال عنه اسم الماء فإنه يدل عليه بحكم المطابقة فهذه الأوعية له كالسبل في الأرض للسالك فيها فينسب السالك في كل سبيل منها إلى أنه طالب غاية ذلك السبيل الذي سلك عليه في أي صورة ما شاء ركبك من صوره فيكون هو الظاهر لا أنت لأن الظهور للصور لا للعين فالعين غيب أبدا والصور شهادة أبدا ثم إنه لما خلق من كل شئ زوجين بين لنا أن في أرض العالم نجدين نجدا تكون غايته أنت عند قوم ونجد عند هؤلاء القوم يكون غايته هو أعني الحق وأما عند قوم آخرين
(١٦١)