خليفة إلا بكمال الصورة الإلهية فيه إذ العالم لا ينظرون إلا إليها ولهذا لما لم تر الملائكة من آدم إلا الصورة الطبيعية الجسمية المظلمة العنصرية الكثيفة قالت ما قالت فلما أعلمهم الله بكمال الصورة فيه وأمرهم بالسجود له سارعوا بالسجود له ولا سيما وقد ظهر لهم بالفعل في تعليمه الأسماء إياهم ولو لم يعلمهم وقال لهم الله إني أعطيته الصورة والشورة لأخذوها إيمانا وعاملوه بما عاملوه به لأمر الله فإذا كوشف الإنسان على الإنسان الكامل ورأى الحق في الصورة التي كساها الإنسان الكامل يبقى في حيرة بين الصورتين لا يدري لأيتهما يسجد فيخير في ذلك المقام بأن يتلى عليه فأينما تولوا فثم وجه الله ففي الإنسان وجه الله من حيث صورته وفي جانب الحق وجه الله من حيث عينه فلا شئ يسجد قبل سجوده فإن الله يقبل السجود للصورة كما يقبله للعين كما تحير رسول الله ص في مثل هذا المقام في منزلة أخرى لما قيل له حين أسرى به وأقيم في النور وحده فاستوحش وسبب استيحاشه إنما كان حيث أسرى به بجسمه العنصري فأدركته الوحشة بخروجه عن أصله ووقوفه في غير منزله فلم يستوحش منه ص إلا حقيقة ما ظهر فيه من العناصر فناداه من ناداه بصوت أبي بكر إذ كان قد اعتاد الأنس به فآنس للنداء وأصغى إليه وزالت عنه تلك الوحشة بصوت أبي بكر فقيل له لما أراد الدخول من ذلك الموقف على الله قف يا محمد إن ربك يصلي فتحير في نسبة الصلاة إليه وكان محمد ص في مقام الصورة الإلهية الكاملة التي تستقبل بالصلاة والسجود لها فلما دنا استقبله ربه بالصلاة له ولا علم له بذلك فناداه الاسم العليم المنسوب إليه الكلام بصوت أبي بكر ليعرفه بمرتبة أبي بكر ويؤنسه به قف إن ربك يصلي والوقوف ثبات وهو قبلة للمصلي فوقف وأفزعه ذلك الخطاب لأن حاله في ذلك الوقت التسبيح الذي روحه ليس كمثله شئ فهذا الذي أفزعه فلما تلي عليه عند ذلك هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور تذكر ما أنزله الله عليه في القرآن فزال عنه رعب نسبة الصلاة إلى الله بما ذكره به وكان من أمر الإسراء ما كان وله موضع غير هذا نذكره فيه إن شاء الله فمن أقامه الله بين الصورتين لا يبالي لأيتهما سجد فإن رأى هذا الذي كوشف بالصورتين تصافح الصورتين دون سجود إحداهما للأخرى فهي علامة له على كمال الصورة في حق ذلك الإنسان الخاص وإن رأى السجود من الصورة الإنسانية للصورة الأخرى الإلهية فيعلم عند ذلك أن الصورة الإنسانية الكاملة في مقام مشاهدة العين لا مشاهدة الصورة فيوافقها في السجود لها فإن رأى السجود من الصورة الإلهية للصورة الإنسانية هنالك من قوله هو الذي يصلي عليكم لم يوافقها في السجود فإن وافقها هلك بل من حصل في ذلك المقام يعرف الأمور على ما هي عليه فإنه يعلم أن الصلاة من الله على العبد الكامل لا للعبد الكامل والصلاة من العبد الكامل لله لا على الله ومن حصل له هذا الفرقان فقد جمع بين القرآن والفرقان وهذا مشهد عزيز ما رأيت له ذائقا وهو من أتم المعارف ولما نزل القرآن نزل على قلب محمد ص وعلى قلوب التالين له دائما التي في صدورهم في داخل أجسامهم لا أعني اللطيفة الإنسانية التي لا تتحيز ولا تقبل الاتصاف بالدخول والخروج فيقوم للنفس الناطقة القلب الذي في الصدر ليصير لها مقام المصحف المكتوب للبصر فمن هناك تتلقاه النفس الناطقة وسبب ذلك أنه لما قام لها التفوق والفضل على الجسم المركب الكثيف بما أعطيته من تدبيره والتصرف فيه ورأته دونها في المرتبة لجهلها بما هو الأمر عليه وما علمت أنه من الأمور المتممة لكمالها فجعل الله القلب الذي في داخل الجسم في صدره مصحفا وكتابا مرقوما تنظر فيه النفس الناطقة فتتصف بالعلم وتتحلى به بحسب الآية التي تنظر فيها فتفتقر إلى هذا المحل لما تستفيده بسببه لكون الحق اتخذه محلا لكلامه ورقمه فيه فنزلت بهذا عن ذلك التفوق الذي كان قد أعجبت به وعرفت قدرها ورأت أن ذلك القلب مهبط الملائكة بالروح الذي هو كلام الله وما رأت تلك الملائكة النازلة تنظر إليها ولا تكلمها إنما ترقم في القلب ما تنزل به والنفس تقرأ ما نزل فيه مرقوما فتعلم في فهمها عن الله أن مراد الله بذلك تعليمها وتأديبها لما طرأ عليها من خلل العجب بنفسها فأقرت واعترفت بأن نسبة الله إلى كل شئ نسبة واحدة من غير تفاضل فلم تر لها تفوقا على شئ من المخلوقات من ملأ أعلى أو أدنى ولا تفضيل ولا ترجيح في العالم ولكن من حيث الدلالة ونسبة الحق لا من حيث هو العالم فإنه من حيث هو العالم يكون ترجيح
(١٥٧)