محل يخاف ويرجى وباطنا بما نظروا فيه مما قاله لهم فلما أخذ قلوبهم بالكلية إليه ولم يبق لله فيهم نصيب يعصمهم أغضبوا الله فغضب فانتقم فكان حكمهم في نفس الأمر خلاف حكم فرعون في نفسه فإنه علم صدق موسى ع وعلم حكم الله في ظاهره بما صدر منه وحكم الله في باطنه بما كان يعتقده من صدق موسى فيما دعاهم إليه وكان ظهور إيمانه المقرر في باطنه عند الله مخصوصا بزمان مؤقت لا يكون إلا فيه وبحالة خاصة فظهر بالإيمان لما جاء زمانه وحاله فغرق قومه آية ونجا فرعون ببدنه دون قومه عند ظهور إيمانه آية فمن رحمة الله بعباده أن قال فاليوم ننجيك ببدنك يعني دون قومك لتكون لمن خلفك آية أي علامة لمن آمن بالله أن ينجيه الله ببدنه أي بظاهره فإن باطنه لم يزل محفوظا بالنجاة من الشرك لأن العلم أقوى الموانع فسوى الله في الغرق بينهم وتفرقا في الحكم فجعلهم سلفا ومثلا للآخرين يعني الأمم الذين يأتون من بعدهم وخص فرعون بأن تكون نجاته آية لمن رجع إلى الله بالنجاة ولما كان الاختصاص الإلهي الكامل في الجمع بين السعادة والصورة كان الكمال للمؤمن بالخلافة في المكان الذي من شأنه أن يظهر فيه كمال الصورة من نفوذ الاقتدار عند الإغضاب وليست الجنة بمحل لهذه الصفة فليست بدار خلافة بل هي دار ولاية محكوم على صاحب تلك الولاية بأمر لا يتعداه ولا تعطي نشأته أن يقبل سواه حتى لو كان فيها تقديرا من شأنه أن يغضب ما قبل صاحب الولاية صفة الغضب لأنه على مزاج خاص بخلاف نشأة الدنيا ولهذا قال إني جاعل في الأرض خليفة ولم يقل في العالم ولو لم تعترض الملائكة ما ابتليت بالسجود فكان ما ابتلوا به عن إغضاب دقيق خفي لا يشعر به إلا الراسخون في العلم وهكذا كل انتقام إلهي يقع بالعالم لا يكون إلا بعد إغضاب لأن الله خلق العالم بالرحمة وليس من شأنها الانتقام كما إن الغضب من شأنه الانتقام لكنه أعني الغضب على طبقات فيظهر الانتقام على ميزانه من غير زيادة ولا نقصان ولا يقع الانتقام أبدا إلا تطهيرا لمن كان منه الإغضاب فلذلك لا يكون الانتقام إلى غير نهاية بل ينتهي الحكم به إلى أجل مسمى عند الله وتعقبه الرحمة به لأن لها الحكم الأبدي الذي لا يتناهى ومن جعل باله لما ذكرناه ودقق النظر فيه رأى علما كبيرا إلهيا من سريان العدل في الحكم الإلهي وشمول الفضل وسبق الرحمة الغضب وإن الحق يجري في حكمه بما هي الحقائق عليه إذ الحقائق لا تتبدل لأنفسها ولا تتحول فهذا الذي ذكرناه في هذه المسألة من الآيات التي جاء بها الحق على لسان المترجم لقوم يتفكرون ولقوم يعقلون ليست لغير هذا الصنف فحافظ على تحصيل معرفة الإغضاب على غاية الاستقصاء حتى تجتنبه فإنه من علم الأسرار ما يعرفه كل أحد وهو كان علم حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله ص ولهذا كان أصحاب رسول الله ص يسمونه صاحب السر لعلمه بهذا العلم وليس فيما يمنح الله أولياءه من العلم به في حقهم أنفع من هذا العلم وما رأيت أحدا له فيه ذوق ولا سمعت عن أحد من أهل الله تعالى بعد حذيفة من ظهر عليه حكم هذا العلم وهو عصمة خفية تكاد لا يشعر صاحبها بها وما في الكشف أتم منه ولا يرزق الله هذا العلم إلا للأدباء أهل المراقبة فإنهم يأخذون الأشياء بحكم المطابقة والمناسبة بين الرب والمربوب والخالق والمخلوق ولا يحكم عليهم حاكم الإمكان والجواز لأنه ليس له في هذه الحضرة قدم ولا عين أعني الإمكان وهذا مقام وراء طور العقل لأن العقل يحكم في مثل هذا بالإمكان والأمر في نفسه ليس كذلك ولكن إذا شهده قبله وإذا فكر فيه أدخله تحت الإمكان ويختص هذا المنزل من العلوم بعلم الإيهام والإبهام والرموز والألغاز والأسرار وفيه علم الحروف المركبة التي هي الكلمة وفيه علم الأنوار وما يختص به عالم الشهادة من الشهود وفيه علم الجعل وفيه علم الجمع والتفصيل وفيه علم منازل العلو في الأسماء الإلهية وأحكامها وفيه علم الإعجاز وفيه علم التقرير وفيه علم نتائج الجهل وهو أمر عدمي فكيف يكون له حكم وجودي وفيه علم مقابلة الاقتدار بالاقتدار وفيه علم سريان وجود الحق في العالم ولهذا ما أنكره أحد وإنما وقع الغلط من طلب الماهية فادى إلى الاختلاف فيه الذي ظهر في العالم وفيه علم ما يختص به الحق تعالى لنفسه من غير أن يكون له حكم في العالم وفيه علم الشرائع كلها وأنها بالجعل ولهذا تجري إلى أمد وغايتها حكم الحق بها في القيامة في الفريقين فإذا عمرت الداران وانقضى أمد العقوبة انتشر حكم الرحمة وفيه علم الشفع والوتر وتقدم علم الزوج على الفرد وعلم الحامل والمحمول وعلم شمول النعم في البلايا والرزايا والأمور المؤلمة وفيه علم نفي الطاقة
(١٦٤)