العموم لما يسبق إلى النفوس من ذلك وبقي تعلق الاصطفاء بمن يتعلق هل بالصاحبة فيكون من باب التجلي في الصور فيكون عين الصورتين لأنه قال لو أردنا أن نتخذ لهوا يعني الولد لاتخذناه من لدنا وما له ظهور إلا من الصاحبة التي هي الأم فيكون الاصطفاء في حق الصاحبة وهي من لدنه فما خرج عن نفسه كما إن آدم ع ما خرج عن نفسه في صاحبته فما نكح إلا من هو جزء منه به وبالمجموع يكون نفسه فهو قوله من لدنا وجاء بحرف لو فدل على الامتناع فلم يكن من الوجهين فإن كان الاصطفاء للبنوة فذلك التبني لا البنوة وإن استندوا إلى غير خبر إلهي وأعني بالخبر الإلهي ما جاء على لسان الرسل في الكتب أو في الوحي فإن كان استنادهم إلى كشف إلهي واطلاع في ذلك فهم تحت حكم ما اطلعوا ولا عذر للمقلدة في ذلك لأن فيهم الأهلية للاطلاع بحكم النشأة فإن لها استعدادا عاما وهو الاستعداد للاطلاع وإن تفاضل الاطلاع فذلك لاستعداد آخر خاص غير الاستعداد العام فأهل الجبر إذا استمسكوا بالخبر سعدوا وإن أخطئوا في التأويل ولم يصادفوا العلم فلهم ثواب الاجتهاد وإن أصابوا فهو المقصود فمنهم من هو على بينة من ربه بإصابته ومنهم من ليس على بينة من ربه وهو مصيب في نفس الأمر وكل من له متمسك إلهي فهو ناج وأما من كفر بالكل فذلك غاية العمي (وصل) في التحضيض الكوني وهو سر جعله الله في عباده العامة والسالكين في هذا الطريق وأما الخاصة فلا يقع منهم ذلك أبدا لأنه ليس بنعت إلهي إلا أنه جاء من الله فيما يرجع إلى الكون لا فيما يرجع إليه سبحانه مثل قوله لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء وأما أداة لو فهي إلهية وتتضمن معنى التحضيض وقد اتصف بها خاصة الله فقال رسول الله ص لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة ولكني سقت الهدى فلا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدى محله فرائحة التحضيض في لو هو ما يفهم منه كأنه قال لنفسه هلا أحرمت بعمرة ولا يقع التحضيض من الخواص أبدا إلا فيما شغلوا به نفوسهم من الأفعال التي ترضي الله فيبدو لهم في ثاني زمان رضي الله في فعل ما هو أتم وأعلى من الأول إما في جناب الله أو في حق نفسه أو في حق الغير رفقا بهم وشفقة عليهم لا يقع منهم على جهة الاعتراض على الله بأن يقولوا هلا فعل الله كذا عوضا من فعله كذا هذا لا يتصور من الخواص أبدا فإنه سوء أدب مع الله تعالى وترجيح تدبير كوني على تدبير إلهي وما وصف الحق نفسه بأنه يدبر الأمر إلا أن يعرفنا أنه ما عمل شيئا إلا ما تقتضيه حكمة الوجود وأنه أنزله موضعه الذي لو لم ينزله فيه لم يوف الحكمة حقها وهو الذي أعطى كل شئ خلقه ولذلك لا يمكن أن يظهر لعباده في صفة تحضيض بالنظر إليه فوضعه في اللسان بل في جميع الألسنة ابتلاء لعباده وتمحيصا ليجتنبه أهل العناية فيتميزوا بذلك عن غيرهم واعلم أن الاختصاص الإلهي الذي يعطي السعادة غير الاختصاص الإلهي الذي يعطي كمال الصورة وقد يجتمعان أعني الاختصاصين في حق بعض الأشخاص فالاختصاص الذي يعطي السعادة هو الاختصاص بالإيمان والعصمة من المخالفة أو بموت عقيب توبة والاختصاص الذي يعطي كمال الصورة هو الذي لا يعطي إلا نفوذ الاقتدار والتحكم في العالم بالهمة والحس والكامل من يرزق الاختصاصين وأقوى التأثير تأثير من يغضب الله كقوم فرعون حيث قال تعالى فيهم فلما آسفونا انتقمنا منهم أي أغضبونا ولله سبحانه نفوذ الاقتدار فانتقم منهم ليجعلهم عبرة للآخرين وجعل ذلك مقابلا لنفوذ الاقتدار الكوني لأنه قال آسفونا ألا ترى إلى علم فرعون في قوله فلو لا ألقي عليه أسورة من ذهب يقول فلو وهو حرف تحضيض أعطى يعني موسى نفوذ الاقتدار فينا حتى لا ننازعه ونسمع له ونطيع لأن اليدين محل القدرة والأسورة وهو شكل محيط من ذهب أكمل ما يتحلى به من المعادن ونفوذ الاقتدار من الاختصاص الإلهي يقول لقومه فما أعطى ذلك موسى والذي يدلك على ما قلناه إن فرعون أراد هذا المعنى في هذا القول أنه جاء بأو بعده وهي حرف عطف بالمناسب فقال أو جاء معه الملائكة مقترنين لعلمه بأن قومه يعلمون أن الملائكة لو جاءت لانقادوا إلى موسى طوعا وكرها يقول فرعون فلم يكن لموسى ع نفوذ اقتدار في حتى أرجع إلى قوله من نفسي بأمر ضروري لا نقدر على دفعه فترجعوا إلى قوله لرجوعي ولا جاء معه من يقطع باقتدارهم فاستخف قومه أي لطف معناهم بالنظر فيما قاله لهم فلما جعل فيهم هذا حملهم على تدقيق النظر في ذلك ولم يكن لهم هذه الحالة قبل ذلك فأطاعوه ظاهرا بالقهر الظاهر لأنه في
(١٦٣)