نازلون عن رتبة الكمال أظهر الإنسان الكامل الحاجة لما سخر فيه العالم فقوى التسخير في العالم لئلا يفرطوا فيما أمرهم الحق به من ذلك لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم فوافق الإنسان الكامل بإظهار هذا الفقر الحق في أشغال العالم فكان حقا في فقره كالأسماء وحقا في غناه لأنه لا يرى المسخر له إلا من له الأثر وهو للأسماء الإلهية لا لأعيان العالم فما افتقر إلا لله في أعيان العالم والعالم لا علم له بذلك ولما أطت السماء بعمارها وقال ص وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك ساجد لله فأخبر في قوله ساجد لله لينبه على نظر كل ملك في السماء إلى الأرض لأن السجود التطأطؤ والانخفاض وقد عرفوا إن الأرض موضع الخليفة وأمروا بالسجود فطأطؤا عن أمر الله ناظرين إلى مكان هذا الخليفة حتى يكون السجود له لأن الله أمرهم بالسجود له ولم يزل حكم السجود فيهم لآدم وللكامل أبدا دائما فإن قلت فيزول في الدار الآخرة مثل هذا السجود قلنا لا يزول لأن الصورة الظاهرة من الإنسان الكامل التي وقع السجود لها أنشأها الله من الطبيعة العنصرية ابتداء وإعادة ففي الابتداء أنبتها من الأرض ثم أعادها إليها بالموت ثم أخرجها منها إخراجا بالبعث ولها السفل في الرتبة تطلب بهذه الحقيقة الله الذي قال فيه النبي ص لو دليتم بحبل لهبط على الله وكذا ينبغي أن يكون الأمر في نفسه فلا بد من استصحاب سجودهم للإمام دنيا وآخرة فحاز الإنسان الكامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فالساجد والمسجود له فيه ومنه ولو لم يكن الأمر هكذا لم يكن جامعا فعند الملأ الأعلى ازدحام لرؤية الإنسان الكامل كما يزدحم الناس عند رؤية الملك إذا طلع عليهم فأطت السماء لازدحامهم فمن عرف الله بهذه المعرفة عرف نعم الله التي أسبغها عليه الظاهرة والباطنة فتبرأ من المجادلة في الله بغير علم وهو ما أعطاه الدليل النظري ولا كتاب منير وهو ما وقع به التعريف مما هو الحق عليه من النعوت فقال ومن الناس من يجادل في الله بغير علم أعطاه دليل فكره ولا هدى يقول ولا بيان أبانه له كشفه ولا كتاب منير وهو ما وقع به التعريف لما نزلت به الآيات من المعرفة بالله في كتبه المنزلة الموصوفة بأنها نور ليكشف بها ما نزلت به لما كان النور يكشف به فنفاهم عن تقليد الحق وعن التجلي والكشف وعن النظر العقلي ولا مرتبة في الجهل أنزل من هذه المرتبة ولهذا جاءت من الحق في معرض الذم يذم بها من قامت به هذه الصفة وإذا عرفوا نعم الله كما قلنا أوجب هذا العلم عليهم الشكر فشغلوا نفوسهم بشكره كما فعله رسول الله ص حين نزل عليه ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا فقام حتى تورمت قدماه شكرا على هذه النعمة وهكذا أخبر لما قيل له في ذلك فقال أفلا أكون عبدا شكورا فأتى بفعول وهو بنية المبالغة فكثر منه الشكر لما كثرت النعم فطلبت كل نعمة منه الشكر لله عليها ولا يخطر لصاحب هذا المقام في شكره طلب الزيادة لأنه فعل يطلب الماضي والواقع فكانت الزيادة من النعم للشاكر فضلا من الله ولهذا سماها زيادة يطلبها الشكر لا الشاكر فيجني ثمرته الشاكر فهي من الشكر جزاء للشاكر حيث أوجد عين الشكر في الوجود وأقام نشأته صورة متجسدة تسبح الله وتذكره فطلبت من الله تعالى أن يزيد هذا الشاكر نعمة إلى نعمته حيث كان سببا في إيجاد عين الشكر فسمع الله منه وأجابه لما سأل فسأله أن يعرف الشاكرين بذلك حتى يعلموا أن الشكر قد أدى عند الله ما وجب عليه من حق الشاكر فقال الله لعباده لئن شكرتم لأزيدنكم فأعلمنا بالزيادة فالعارف بالله يشكر الله ليكون خلاقا لصورة الشكر ليكثر المسبحون لله القائمون في عبادته فإذا علم الله هذا منه زاده في النعم الظاهرة والباطنة ليدوم له نعت الخلق للشكر فلا يزال الأمر له دائما دنيا وآخرة وأعظم نشأة يظهر بها الشكر في الوجود نشأة الشكر على نعمة الصورة الكمالية ونشأة الشكر على نعمة التسخير والمزيد من الله للشاكر على قدر صورة الشكر فاعلم كيف تشكر واشتغل بالأهم فالأهم من ذلك فإذا طلب الشاكر بشكره المزيد لما وعد الله به لم يعطه الله من نعمة المزيد إلا على قدر طلبه وصورته من التخليط والسلامة فيكون مزيده مغفرة وعفوا وتجاوزا لا غير وبالجملة فينزل عن درجة الأول الذي أعطى بسؤال الشكر فإن نشأة الشكر بريئة من التخليط في عينها وإن كان الشاكر مخلطا فلا أثر لتخليطه في صورة الشكر وله أثر في المزيد إذا شكر لتحصيل المزيد فتحصل المفاضلة بين الشاكرين على ما قررناه من الطالبين المزيد وغير الطالبين والمشتغلين بالأهم وغير المشتغلين به فهذه طرق لله
(١٥٢)