بالتخفيف إلى العشر فنزل به على أمته وشرع له أن يشرع لأمته الاجتهاد في الأحكام التي بها صلاح العالم لأنه ص بالاجتهاد رجع بين الله وبين موسى ع فأمضى ذلك في أمته لتأنس بما جرى منه ولا تستوحش وجبر بهذا التشريع قلب موسى في ذلك فإنه لا بد إذا رجع مع نفسه وزال عنه حكم الشفقة على العباد قام معه تعظيم الحق وما ينبغي لجلاله فلم يستكثر شيئا في حقه وعلم إن القوة بيده يقوي بها من شاء وإذا خطر له مثل هذا وأقامه الحق فيه لا بد له أن يؤثر عنده ندما على ما جرى منه فيما قاله لمحمد ص فجبر الله قلبه بقوله ما يبدل القول لدي في آخر رجعة وكان قد تقدم القول بالتكثير وبدله بالتخفيف والتقليل فاعلم موسى أن القول الإلهي منه ما يقبل التبديل ومنه ما لا يقبل التبديل وهو إذا حق القول منه فالقول الواجب لا يبدل والقول المعروض يقبل التبديل فسر موسى ع بهذا القول وإنه ما تكلم إلا في عرض القول لا في حقه وكذلك لما علم بما شرع الله لأمة محمد ص من الاجتهاد في نصب الأحكام من أجل اجتهاد محمد جبر الله تعالى قلب محمد ص فيما جرى منه وسرى ذلك في أمته ص كما سرى الجحد والنسيان في بني آدم من جحد آدم ونسيانه جبر القلب آدم فإن هذه النشأة الطبيعية من حكم الطبيعة فيها الجحد والنسيان فكانت حركة آدم في جحده حركة طبيعية وفي نسيانه أثر طبيعي فلو تناسى لكان الأمر من حركة الطبيعة كالجحد من حيث إنه جحد هو أثر طبيعي ومن حيث ما هو جحد بكذا هو حكم طبيعي لا أثر فهذا الفرق بين حكم الطبيعة وبين أثرها والنسيان من أثرها والتناسي من حكمها والغفلة من أثرها والتغافل من حكمها وقليل من العلماء بالله من يفرق بين حكم الطبيعة وأثرها فاجتمع في آدم حكم الطبيعة بالجحد لأنه الأول الجامع في ظهره للجاحدين فحكموا عليه بالجحد فجحد لأن الابن له أثر في أبيه فالجحد وإن كان من حكم الطبيعة فإنه من أثر الجاحدين من أبنائه لأن آدم إنسان كامل وكذا النسيان الواقع منه هو من أثر الطبيعة وحكم الأبناء فإنه حامل في ظهره للناسين من أبنائه فحكموا عليه بالنسيان فانظر ما أعجب هذه الأمور وما يعطيه فتوح المكاشفة من العلوم وجميع ما ذكرناه من أحكام هذا المنزل وله من الحضرة الإلهية الغيب ومن أعيان العالم الطبيعة ومن عالم الشهادة الظلمة ففي الشهادة ترى الظلمة ولا يرى بها وفي الطبيعة تعلم ولا ترى ويرى أثرها ويرى بها وفي الغيب يرى ويرى به مع بقاء اسم الغيب عليه وإنما قلنا هذا لأن الأسماء تتغير بتغير الأحكام ولا سيما في الأسماء الإلهية فإن الحكم يغير الاسم للاسم الآخر الذي يطلبه ذلك الحكم والعين واحدة وفي أحكام الشرائع عكس هذا تغير الأحكام تبع لتغير الأحوال والأسماء والعين واحدة قيل لمالك بن أنس من أئمة الدين ما تقول في خنزير البحر من بعض السمك فقال هو حرام فقيل له فسمك البحر ودوابه وميتته حلال فقال أنتم سميتموه خنزيرا والله قد حرم الخنزير فتغير الحكم عند مالك لتغير الاسم فلو قالوا له ما تقول في سمك البحر أو دواب البحر لحكم بالحل وكذا تغير الأحوال يغير الأحكام فالشخص الواحد الذي لم يكن حاله الاضطرار أكل الميتة عليه حرام فإذا اضطر ذلك الشخص عينه فأكل الميتة له حلال فاختلف الحكم لاختلاف الحال والعين واحدة واعلم أن الله من هذا المنزل يقبل التجلي في الصور الطبيعية كثيفها ولطيفها وشفافها لأهل البرازخ والقيامة برزخ وما في الوجود غير البرازخ لأنه منتظم شئ بين شيئين مثل زمان الحال ويسمى الدائم والأشياء المعنوية دور والحسية أكر فما في الكون طرف لأن الدائرة لا طرف لها فكل جزء منها برزخ بين جزأين وهذا علم شريف لمن عرفه ولهذا جمع في الإنسان الكامل بين الصورتين الطبيعيتين في نشأته فخلقه بجسم مظلم كثيف وبجسم لطيف محمول في هذا الجسم الكثيف سماه روحا له به كان حيوانا وهو البخار الخارج من تجويف القلب المنتشر في أجزاء البدن المعطي فيه النمو والإحساس وخصه دون العالم كله بالقوة المفكرة التي بها يدبر الأمور ويفصلها وليس لغيره من العالم ذلك فإنه على الصورة الإلهية ومن صورتها يدبر الأمر يفصل الآيات فالإنسان الكامل من تممت له الصورة الإلهية ولا يكمل إلا بالمرتبة ومن نزل عنها فعنده من الصورة بقدر ما عنده ألا ترى الحيوان يسمع ويبصر ويدرك الروائح والطعوم والحار والبارد ولا يقال فيه إنسان بل هو جمل وفرس وطائر وغير ذلك فلو كملت فيه الصورة قيل فيه إنسان كذلك الإنسان لا يكمل فيزول عنه الاسم العام إلى الاسم الخاص فلا يسمى
(١٥٦)