فأحسن تأديبي ولو نطق النبي ص للحاضرين بقصده فيما خبا له لارتدت جماعة من الحاضرين لذلك ولكن الله عصم نبيه ص عن القول ولم يخرجه العلم بالخبيئة عن كونه كاهنا والحاضرون يعرفون أمر الكهنة وشأنهم ولا سيما أهل اليمن والحجاز وجزيرة العرب فلم يخرجه ذلك العلم عن قدره عند الحاضرين وفي هذه المسألة أمور عظيمة يتسع الشرح فيها إلى أمر عظيم ترك الرضي لا يكون * إلا لمن هو دون فإن يكن لك حالا * فكل صعب يهون وإن أبيت رضاه * فما يشاء يكون هذا المنزل منه خبا رسول الله ص لابن صياد سورة الدخان من القرآن وهو منزل عظيم فيه من المكر الإلهي والاستدراج ما لا تأمن مع العلم به الملائكة من مكر الله فالعاقل إذا لم يكن من أهل الاطلاع في تصرفاته فلا أقل من أنه لا يزيل الميزان المشروع له الوزن به في تصرفاته من يده بل من يمينه فيحفظه في نفس الأمر من هذا المكر ولا يخرج عن لوازم عبوديته وأحكامها طرفة عين يعطي من الزيادات في العلوم والأمور ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال ممكن يكون العروج إليه من الأرواح المفارقة وغيرها منه تبدو العلامات على صدق الصادق وكذب الكاذب من حصل فيه حصل علم الحكمة الجامعة وتميز له الشقي من السعيد فيه تختلف أحوال الناظرين فما يراه زيد نورا يراه عمرو ظلمة ويراه جعفر نورا وظلمة معا فإنه يكشف به الأشياء فيقول هذا نور ويبصره من حيث عينه فيقول ظلمة فيه تكون المنازلات كلها يلتقي فيه الحق النازل والخلق الصاعد فيقول الحق للصاعد إلى أين فيقول إليك ويقول الخلق للنازل إلى أين فيقول إليك فيقول قد التقينا فتعال حتى يعين كل واحد منا ما السبب الذي أوجب لكل واحد منا طلب صاحبه فيقول الحق قصدت بالنزول إليك لنريحك من التعب فنعطيك ونهبك من غير مشقة ولا نصب وأنت في أهلك مستريح لم يكن لي قصد غير هذا ويقول الخلق قصدت بالعروج إليك تعظيما لك وخدمة لنقف بين يديك وأنت على سرير ملكك وقد علم الملأ الأعلى أني خليفتك وأني أعلم بك منهم لما خصصتني به فإذا رآني الملأ الأعلى بين يديك اقتدوا بي فيما أقوم به بين يديك مما ينبغي لمثلي أن يتأدب معك به فيحصل لهم بالمشاهدة من علم الأدب معك ما لم يكن عندهم لأني رأيتهم جاهلين بمنزلتك مع كونهم يسبحونك لا يفترون تقول لهم إني جاعل في الأرض خليفة فيعارضونك فيه بما حكيت لي عنهم أنهم قالوا ولم يكن ينبغي لهم إلا السمع كما لك الأمر فلما علمت إن الأدب الإلهي ما استحكم فيهم وقد أمرتني بتعليمهم ورأيت أن التعليم بالحال والفعل أتم منه بالقول والعمارة قصدت العروج إليك ليرى الملأ الأعلى بالحال والفعل ما ينبغي أن يعامل به جلالك والاستواء أشرف حال ظهرت به إلى خلقك ومع ذلك اعترضوا عليك فكيف لو نزلت إلى أدنى من حالة الاستواء من سماء وأرض فيقول الحق نعم ما قصدت مثلك من يقدر قدر الأشياء فإنه من عرف قدره وقدر الأشياء عرف قدري ووفاني حقي ألا ترى محمدا ص لما فرضت عليه وعلى أمته خمسين صلاة نزل بها ولم يقل شيئا ولا اعترض ولا قال هذا كثير فلما نزل إلى موسى ع فقال له راجع ربك عسى إن يخفف عن أمتك فإني قاسيت من بني إسرائيل في ذلك أهوالا وأمتك تعجز عن حمل مثل هذا وتسأم منه فبقي محمد ص متحير الأدب الكامل يعطيه ما فعل من عدم المعارضة والشفقة على أمته تطلبه بالتخفيف عنها حتى لا يعبد الله بضجر ولا كره ولا ملل ولا كسل فبقي حائرا فهذا ما أثرت الوسائط والجلساء فأخذ يطلب الترجيح فيما قاله موسى ع وفيما وفى هو ص من حق الأدب مع الله وقد كان الله تقدم إليه عند ذكر جماعة من الأنبياء ع منهم موسى ع بأن قال له أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فتأول إن هذا الذي أشار به عليه من هداهم ولم يتفطن في الوقت إن موسى ع لما كان في حال هداه ما سأل التخفيف وذلك الهدى هو الذي أمر رسول الله ص أن يقتدي به فأعطاه هذا الاجتهاد الرجوع إلى الله فسأله التخفيف فما زال يرجع بين الله تعالى وبين موسى ع إلى أن قال ما أعطاه الأدب استحييت من ربي وانتهى الأمر
(١٥٥)