مختلفة كما قال لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وهي الطرق والحقيقة عين واحدة هي غاية لهذه الطرق وهو قوله وإليه يرجع الأمر كله فأما قوله تعالى لنبيه محمد في سورة الفتح وهو فتوح المكاشفة بالحق وفتوح الحلاوة في الباطن وفتوح العبارة ولهذا الفتوح كان للقرآن معجزة فما أعطى أحد فتوح العبارة على كمال ما أعطيه رسول الله ص فإنه قال لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا أي معينا فقال له إنا فتحنا لك فتحا مبينا في الثلاثة الأنواع من الفتوح فتحا فأكده بالمصدر مبينا أي ظاهرا يعرفه كل من رآه بما تجلى وما حواه ففتوح الحلاوة ثابت له ذوقا وفتوح العبارة ثابت للعرب بالعجز عن المعارضة وفتوح المكاشفة ثابت بما أشهده ليلة إسراءه من الآيات ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيسترك عما يستحقه صاحب الذنب من العتب والمؤاخذة وما تأخر يسترك عن عين الذنب حتى لا يجدك فيقوم بك فأعلمنا بالمغفرة في الذنب المتأخر أنه معصوم بلا شك ويؤيد عصمته إن جعله الله أسوة يتأسى به فلو لم يقمه الله في مقام العصمة للزمنا التأسي به فيما يقع منه من الذنوب إن لم ينص عليها كما نص على النكاح بالهبة إن ذلك خالص له مشروع وهو حرام علينا ويتم نعمته عليك بأن يعطيها خلقها إذ قد عرفنا بالمخلقة من ذلك وغير المخلقة وأخبر بهذه الآية أن نعمته التي أعطاها محمدا مخلقة أي تامة الخلقة ص ويهديك صراطا مستقيما وهو صراط ربه الذي هو عليه كما قال هود ع إن ربي على صراط مستقيم والشرائع كلها أنوار وشرع محمد ص بين هذه الأنوار كنور الشمس بين أنوار الكواكب فإذا ظهرت الشمس خفيت أنوار الكواكب واندرجت أنوارها في نور الشمس فكان خفاؤها نظير ما نسخ من الشرائع بشرعه ص مع وجود أعيانها كما يتحقق وجود أنوار الكواكب ولهذا ألزمنا في شرعنا العام أن نؤمن بجميع الرسل وجميع شرائعهم أنها حق فلم ترجع بالنسخ باطلا ذلك ظن الذين جهلوا فرجعت الطرق كلها ناظرة إلى طريق النبي ص فلو كانت الرسل في زمانه لتبعوه كما تبعت شرائعهم شرعه فإنه أوتي جوامع الكلم وينصرك الله نصرا عزيزا والعزيز من يرام فلا يستطاع الوصول إليه فإذا كانت الرسل هي الطالبة للوصول إليه فقد عز عن إدراكها إياه ببعثته العامة وإعطاء الله إياه جوامع الكلم والسيادة بالمقام المحمود في الدار الآخرة وبجعل الله أمته خير أمة أخرجت للناس وأمة كل نبي على قدر مقام نبيها فاعلم ذلك وإذا طلب الوصول إليه القائلون باكتساب النبوة عز عليهم الوصول إلى ذلك فإن المكتسب إنما هو السلوك والوصول إلى الباب وأما ما وراء الباب فلا علم للواصلين إليه بمن يفتح له ذلك الباب فمن الناس من يفتح له بالإيمان العام وهو مطالعة الحقيقة كأبي بكر فلم ير شيئا إلا رأى الله قبله ومنهم من يفتح له بالإنباء العام الذي لا شرع فيه وهذان الفتحان باقيان في هذه الأمة إلى يوم القيامة ومن الواصلين من يفتح له الباب بنبوة التشريع المقصور عليهم ومنهم من يفتح له الباب بالرسالة بما شرع وهذان بابان أو فتحان قد منع الله أن يتحقق بهما أحد أو يفتح له فيهما إلا أهل الاجتهاد فإن الله أبقى عليهم من ذلك بعض شئ بتقرير الشرع فحكمه للشارع لا لهم فكل ما خرج من وراء الباب عند فتحه ما هو مكتسب والنبوة غير مكتسبة فنصره الله النصر العزيز فلم يصل إليه من قال باكتساب النبوة لأن الموصوف بالعزة لا عين للعزة إلا مع وجود الطالب لمن قامت به فيحمى مقامه وحضرته أن لا يصل طالب إليه فالشرائع الحكمية السياسية الظاهرة بصورة الشرائع الإلهية ليس لها هذا النصر العزيز وإنما هو مختص بصاحب الشرع الإلهي المنزل والحقيقة تعم الشرعين الشرع الإلهي والحكمي السياسي فصاحب الشريعة وهو المؤمن إنما جثى بين يدي المحقق الذي هو صاحب الحقيقة ليبين له مأخذ كل شرع من الحضرة الإلهية ولا يعلم ذلك إلا صاحب الحقيقة فلهذا سمي هذا المنزل بجثو الشريعة بين يدي الحقيقة لأن كل شرع يطلبها إذ هي باطن كل شرع والشرائع صورها الظاهرة في عالم الشهادة ولهذا ما تخلو أمة عن نذير يقوم بسياستها لبقاء المصلحة في حقها سواء كان ذلك الشرع إلهيا أو سياسيا على كل حال تقع المصلحة به في القرن الذي يظهر فيه وبعد أن علمت منزلة الشريعة من الحقيقة ولها باب يخصه من هذا الكتاب قد تقدم فلنذكر ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم فمن ذلك علم لواء خاص من ألوية الحمد وأسمائه وعلم ما لهذا اللواء من حكم الرحمة في العالم الذي يكون تحته وعلم المناسبات التي تنضم الأشياء الصورية بها بعضها إلى بعض لإقامة أعيان الصور التي
(١٥٣)