فخرج التراب بالنص فيه عن سائر ما يكون أرضا ويزول عنه الاسم بالمفارقة فهذه ستة خص بها هذا النبي ص فكانت منزلة لم ينلها غيره لها حكم في كل منزل من دنيا وهو ما ذكرناه ومن برزخ وقيامة وجنة وكثيب فيظهر حكم هذا الاختصاص الإلهي في كل منزل من هذه المنازل ليتبين شرفه وما فضله الله به على غيره مع كونه أعطى جميع ما فضلت به الرسل بعضها على بعض ثم لتعلم أيها الولي أنه من رحمته ص التي بعثه الله تعالى بها ما أبان الله على لسانه لنا وأمره بتبليغ ذلك فبلغ أنه ليس من شرط الرسالة ظهور العلامات على صدقه إنما هو شخص منذر مأمور بتبليغ ما أمر بتبليغه هذا حظه لا يجب عليه غير ذلك فإن أتى بعلامة على صدقه فتلك فضل الله ليس ذلك بيده فأقام عذر الأنبياء كلهم في ذلك فكان رحمة للرسل في هذا فجاء في القرآن قوله وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه وهذا قول غير العرب ما هو قول العرب لأنه جاء بالقرآن آية على صدقه للعرب إذ لا يعرف إعجازه وكونه آية غير العرب فلم يرد عنه إنه أظهر آية لكل من دعاه من غير العرب كاليهود والنصارى والمجوس ولكن أي شئ جاء من الآيات فذلك من الله لا بحكم الوجوب عليه ولا على غيره من الرسل فقيل له قل لهم إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين ثم قال له أولم يكفهم إنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة بهم فإنا أرسلناك رحمة للعالمين فضمنا القرآن جميع ما تعرف الأمم أنه آية على صدق من جاء به إذ لم يعلموا منه بقرائن الأحوال أنه قرأ ولا كتب ولا طالع ولا عاشر ولا فارق بلده بل كان أميا من جملة الأميين وأخبرهم عن الله بأمور يعرفون أنه لا يعلمها من هو بهذه الصفة التي هو عليها هذا الرسول إلا بإعلام من الله فكان ما جاء في القرآن من ذلك آية كما قالوا وطلبوا وكان إعجازه للعرب خاصة إذ نزل بلسانهم وصرفوا عن معارضته أو لم يكن في قوتهم ذلك من غير صرف حدث لهم فجاء القرآن بما جاءت به الكتب قبله ولا علم له بما جاء فيها إلا من القرآن وعلمت ذلك اليهود والنصارى وأصحاب الكتب فحصلت الآية من عند الله لأن القرآن من عند الله فقد تبين لك منزل محمد من غيره من الرسل وخصه الله بعلوم لم تجتمع في غيره منها إنه أعطاه أنواع ضروب الوحي كلها فأوحى إليه بجميع ما سمي وحيا كالمبشرات والإنزال على القلوب والآذان وبحالة العروج وعدم العروج وغير ذلك وخصه بعموم علوم الأحوال كلها فأعطاه العلم بكل حال وفي كل حال ذوقا لأنه أرسله إلى الناس كافة وأحوالهم مختلفة فلا بد أن تكون رسالته تعم العلم بجميع الأحوال وخصه الله بعلم إحياء الأموات معنى وحسا فحصل العلم بالحياة المعنوية وهي حياة العلوم والحياة الحسية وهو ما أتى في قصة إبراهيم ع تعليما وأعلاما لرسول الله ص وهو قوله نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وخص بعلم الشرائع كلها فأبان له عن شرائع المتقدمين وأمره أن يهتدي بهداهم وخص بشرع لم يكن لغيره منه ما ذكرناه في الستة التي خص بها فهذه أربعة منازل لم ينزل فيها غيره من الأنبياء ع فهذا منزل محمد ص قد ذكرت منه ما يسره الله على لساني فلنذكر ما يتضمن منزله من العلوم فمن ذلك علم الحجاب أعني حجاب الجحد وحجاب الحكمة وعلم الفارق الذي تعينت به السبل مثل قوله لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة وهل هم اليوم بعموم بعثة الرسل أمة واحدة أم لا وهل حكم الله على أصحاب الكتب بالجزية وإبقائهم على دينهم شرع من الله لهم على لسان محمد ص فينفعهم ذلك ما أعطوا الجزية عن قوة من الآخذين وصغار منهم فقد فعلوا ما كلفوا وكان هذا حظهم من الشريعة فإبقاؤهم على شرعهم شرع محمدي لهم فيسعدون بذلك فتكون مؤاخذة من أخذ منهم بما فرط فيه من الشرع الذي هم عليه كسائر العصاة الذين لم يعملوا بجميع ما تضمنه شرعهم وإن كانوا مؤمنين به وهذا علم غريب ما أعلم له ذائقا من فتوح المكاشفة وهو من علوم الأسرار التي غار عليها أهل الله فصانوها وفيه علم ما حير الأكوان فيما تحيروا فيه كان ما كان وفيه علم الايمان المطلق والمقيد وفيه علم ما يفسد العمل المشروع ويصلحه وفيه علم سريان الحق في الأحكام على اختلافها وأنها كلها حق من الرب وفيه علم الكفارات وفيه علم ما تصلح به أحوال الخلق وفيه علم ما هو الباطل وما هو الحق هل هما أمر وجودي أو ليس بوجودي وفيه علم الشركة في الاتباع وإلى ما يؤول كل تابع هل غايته أمر واحد أو مختلف وفيه علم من تضرب له الأمثال ممن لا تضرب وفيه علم القهر الإلهي على أيدي الأكوان
(١٤٥)