عزيمة. فإذا بلغ المسلم من النضج الروحي بحيث يعتبر عدم الشهادة له خيبة، والشهادة فوزا ونجاحا، ثم هو يندفع إليها بهذا الاصرار، ويعتبرها غاية له، وتتويجا لحياته، فلماذا يحرم منها.
ويجب أن لا ننسى وصية سعد بن الربيع رضوان الله عليه (وهو شيخ الأنصار. وقد جعل بيوته للنبي (ص) ولزوجاته، وقد عرس علي (ع) بفاطمة الزهراء في أحد بيوته) التي تعبر عن مدى وعيه وسمو روحه، وهو لا يرى موته نهاية له، إذا كان دين محمد (صلى الله عليه وآله) محفوظا، فإنه يعتبر نفسه قد فاز بشهادته من جهة، كما أنه يعتبر نصر محمد (ص)، ودين محمد بعد موته نصرا له حتى وهو في قبره أيضا، لأنه يرى نفسه فانيا في هدفه، وجزءا منه، فإذا انتصر الهدف، فهو أيضا يكون المنتصر.
د: وان ما فعله أبو سفيان بجثة حمزة رضوان الله عليه، ثم طلبه من الجليس: أن يستر عليه هذه الزلة ليس بعجيب، فان تصرفات ومواقف أبي سفيان لم تكن محكومة لفضائل نفسية، ولا لقناعات عقلية وجدانية، ولا لقوة الهية غيبية، ولكنها كانت تخضع للمفاهيم الجاهلية والقبلية، والمصالح الشخصية بالدرجة الأولى، ولذلك هو يعتبرها زلة إذ كان الجاهليون يقبحونها ويرفضونها، ولكنه لا يرى مانعا منها بحسب ما لديه من خصائص نفسية، ومصلحة شخصية.
كما أن عمل أبي سفيان هذا يكذب ما اعتذر به عن المثلة التي لحقت شهداء المسلمين، حيث ادعى أنه لم يرض، ولم يغضب، ولم يعلم بالتمثيل بالشهداء على أيدي المشركين!!.
ويكذبه أيضا: أن أبا عامر الفاسق طلب أن لا يمثل بولده حنظلة، ويترك لأجله فكان له ذلك. وهذا يدل على أن التمثيل بالشهداء قد كان معلوما لدى الملأ من قريش، وكانوا راضين به. ولعل أبا سفيان قد كذب هذه الكذبة ليتفادى التمثيل بأصحابه، أو أنها كذبت عن لسانه من محبيه،