بمكانهم ذلك من أرض الزاب لهذا العهد وقد جعل على قبر عقبة اسنمة ثم جصص واتخذ عليه مسجد عرف باسمه وهو في عداد المزارات ومظان البركة بل هو أشرف مزور من الأجداث في بقاع الأرض لما توفر فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغ أحد مد أحدهم ولا نصيفه وأسر من الصحابة يومئذ محمد بن أوس الأنصاري ويزيد بن خلف العبسي ونفر معهم ففداهم ابن مصاد صاحب قفصة وكان زهير بن قيس البلوى بالقيروان وبلغه الخبر فخرج هاربا وارتحل بالمسلمين ونزل برقة وأقام بها ينتظر المدد من الخلفاء واجتمع إلى كسيلة جميع أهل المغرب من البربر والفرنجة وزحف إلى القيروان فخرج العرب منها ولحق بزهير بن قيس ولحق بها أصحاب الذراري والأثقال فأمنهم وداخل القيروان وأقام أميرا على إفريقية ومن بقي بها من العرب خمس سنين وقارن ذلك مهلك يزيد بن معاوية وفتنة الضحاك بن قيس مع المروانية بمرج راهط وحروب آل الزبير فاضطرب أمر الخلافة بعض الشئ واضطرم المغرب نارا وفشت الردة في زناتة والبرانس ثم استقل عبد الملك بن مروان من بعد ذلك وأذهب بالمشرق آثار الفتنة وكان زهير بن قيس مقيما منذ مهلك السلطان عقبة فبعث إليه بالمدد وولاه حرب الجبابرة والثأر بدم عقبة فزحف إليها في آلاف من العرب سنة سبع وستين وجمع كسيلة البرانس وسائر البربر ولقيه بجيش من نواحي القيروان واشتد القتال بين الفريقين ثم انهزم البربر وقتل كسيلة ومن لا يحصى منهم واتبعهم العرب إلى مرماجنة ثم إلى ملوية وذال البربر ولجأوا إلى القلاع والحصون وحدت شوكة أوربا من بينهم واستقر جمهورهم بديار المغرب الأقصى فلم يكن بعدها لهم ذكر واستولوا على مدينة وليلى بالمغرب كانت ما بين موضع فاس ومكناسة بجانب جبل زرهون وأقاموا على ذلك والجيوش من القيروان تدوخ المغرب مرة بعد أخرى إلى أن خرج محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن علي أيام المنصور وقتل بالمدينة سنة خمس وأربعين ثم خرج بعده ابن عمه حسين بن علي بن حسن المثلث ابن حسن المثنى ابن حسن السبط أيام الهادي وقتل بفخ على ثلاثة أميال من مكة سنة تسع وستين ومائة واستلحم كثير من أهل بيته وفرادريس بن عبد الله إلى المغرب ونزل على أوربا سنة ثنتين وسبعين وأميرهم يومئذ بو ليلى إسحاق بن محمد بن عبد الحميد منهم فأجاره وجمع البرابر على دعوته واجتمعت عليه زوغة ولواتة وسراتة وغمات ونفزة ومكناسة وغمارة وكافة برابرة المغرب فبايعوه وائتمروا بأمره وتم له الملك والسلطان بالمغرب وكانت له الدولة التي ورثها أعقابه إلى حين انقراضها كما ذكرنا في دولة الفاطميين والله تعالى اعلم
(١٤٧)