أول الأمر أن يقاتل عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهه عنهم ومن ولاهم يومئذ دبره فقد تبوء مقعده من النار، ثم حولهم عن حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عز وجل، فنسخ الرجلان العشرة " وقال عليه السلام أيضا في خبر الحسين بن صالح (1) " من فر من رجلين في القتال في الزحف فقد فر، ومن فر من ثلاثة في القتال فلم يفر ".
بل قد يقال إن مقتضى الاطلاق عدم الفرق في ذلك بين القسم الأول من الجهاد والثاني، أي الذي يدهم المسلمين فيه عدو يخشى منه على شعار الاسلام، كما جزم به بعض الأفاضل، إلا أنه قد يناقش بأن المنساق من النص والفتوى الأول خصوصا مع ذكرهم له في أحكامه فيبقى الثاني على مقتضى الأصل، ولكن مع ذلك الأول أحوط مع عدم ظن العطب.
وكيف كان فالمراد حرمة الفرار من الحرب والهرب منها، وهو المكنى عنه بتولية الدبر دون غير ذلك، ولذا قال المصنف كغيره من الأصحاب: (إلا لمتحرف) للقتال كقول الله تعالى شأنه (2): " إلا متحرفا لقتال " أي لا يكون للفرار بل لحصانة الموضع، وربما قيل هو الكر بعد الفر، ولعله هو أحد أفراد المتحرف، فإنه الميل إلى حرف أي طرف، ومنه التحرف في طلب الرزق، وهو الميل إلى جهة يظن الرزق فيها، فيراد حينئذ مطلق المتحرف للقتال (كطالب السعة) كما في القواعد والتذكرة والمسالك وغيرها، ليكون أمكن له في القتال من المكان الضيق المفروض كونه فيه (أو المراد المياه) كما في