قبل إتمام الحجة، كما هو حال الأمم السابقة، فلا دلالة لها على حكم مشتبه الحكم، من حيث إنه مشتبه، فهي أجنبية عما نحن فيه (1).
وأنت خبير بعدم تمامية شئ من هذه الإيرادات.
أما الأول: فلأن الآية إنما وقعت في ذيل الآيات الواردة في القيامة، ولا اختصاص لها، بل لا ارتباط لها بنفي العذاب الدنيوي بالنسبة إلى الأمم السالفة. وحينئذ فيكون المراد بالتعذيب المنفي هو العذاب الأخروي، كما أن المراد ببعث الرسول ليس مجرد بعثه، ولو لم يكن مأمورا بالتبليغ، كما يدل على ذلك - مضافا إلى أنه هو المتفاهم منه - ذكر الرسول، لا النبي، بل المراد به أن البعث لأجل التبليغ وإتمام الحجة إنما يكون غاية لعدم التعذيب.
ومن هنا يظهر: أنه لو بلغ بعض الأحكام دون بعض، أو بلغها إلى أهل بلد خاص دون سائر البلدان، أو بلغها إلى جميع البلدان في عصره، ثم لم يبلغ إلى الأعصار المتأخرة، لأجل الموانع والحوادث يفهم من الآية عدم التعذيب بالنسبة إلى التكليف الذي لم يبلغه أصلا، أو الشخص الذي لم يصل إليه، وحينئذ فالآية ظاهرة، بل صريحة في نفي العذاب بالنسبة إلى ما لم يصل إلى المكلف.
هذا، ولو سلم ظهورها في الإخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث، واختصاصها بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة فنقول: يستفاد منه البراءة في المقام حينئذ بطريق أولى، إذ لو كان التعذيب الدنيوي مع كونه يسيرا محدودا بمكان لا يصدر منه تعالى إلا بعد بعث الرسول وإتمام الحجة فالعذاب الأخروي الذي لا يمكن قياسه مع العذاب الدنيوي، لا من حيث الكم، ولا من حيث الكيف