قوله (عليه السلام): " وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام، فأضاف إليها أخرى، ولا شئ عليه، ولا ينقض اليقين بالشك " (1)، فإن التعبير بقوله:
" وقد أحرز الثلاث " دليل على أن المراد باليقين ليس إلا الإحراز، فتأمل. وكيف كان فالظاهر - خصوصا بملاحظة ما ذكرنا، وكذا سائر الموارد التي يستفاد منها هذا المعنى - أن المراد باليقين في أخبار لا تنقض ليس إلا الحجة، وحينئذ فتكون أدلة الأمارات واردة عليها، كما لا يخفى.
هذا، ومن هنا يظهر وجه تقدم الأمارات على أصالة البراءة التي مدركها إما مثل حديث الرفع، وإما حكم العقل. فعلى الأول فالظاهر أن المراد ب " ما لا يعلمون " الوارد فيه ليس إلا ما يعم الحجة عليه، ومن الواضح أن أدلة الأمارات يثبت حجيتها، كما أن مدركه لو كان قاعدة قبح العقاب بلا بيان تكون الأمارات متقدمة عليه أيضا، لأنها بيان قام الدليل على اعتبارها.
وأما تقدم الاستصحاب على أصل البراءة، فإن كان مدركها حكم العقل بقبح العقاب، من دون بيان فواضح، لأن أدلة الاستصحاب الدالة على حرمة نقض اليقين بغير اليقين بيان وحجة للمولى على العبد، كما هو واضح.
وأما لو كان مدركها هو مثل حديث الرفع فلأن مفاد أدلة الاستصحاب تنزيل الشك المسبوق باليقين بمنزلة اليقين، لكونه أمرا مستحكما مبرما لا ينبغي أن ينقض بالشك الذي لا يكون كذلك على ما هو التحقيق من أن المراد باليقين ليس المتيقن، فإنه لا يناسب النقض بالشك، كما لا يخفى. وحينئذ فتكون أدلة