ثانيهما: اعتبار كونه موجبا للحيرة في الواقع، وعدم كونه موصلا إليه ومنجزا له، وهو بهذا الاعتبار يمكن أخذه موضوعا لما يكون متمما للجعل ومنجزا للواقع، كما أنه يمكن أخذه موضوعا لما يكون مؤمنا عن الواقع حسب اختلاف مراتب الملاكات النفس الأمرية. فلو كانت مصلحة الواقع مهمة في نظر الشارع كان عليه جعل المتمم، لمصلحة احترام المؤمن وحفظ نفسه، فإنه لما كان حفظ نفس المؤمن أولى بالرعاية وأهم في نظر الشارع من مفسدة حفظ دم الكافر اقتضى ذلك تشريع حكم ظاهري طريقي بوجوب الاحتياط في موارد الشك، حفظا لدمه.
وهذا الحكم إنما يكون في طول الحكم للواقع، نشأ عن أهمية المصلحة الواقعية، ولذا كان الخطاب بالاحتياط خطابا نفسيا ناشئا عن أهمية مصلحة الواقع، فهو واجب نفسي للغير، لا واجب بالغير، ولذا كان العقاب على مخالفة التكليف بالاحتياط عند تركه وأدائه إلى مخالفة الحكم الواقعي، لا على مخالفة الواقع، لقبح العقاب عليه مع الجهل.
إن قلت: إن مقتضى ذلك صحة العقوبة على مخالفة الاحتياط، صادف الواقع أو خالفه، لكونه واجبا نفسيا، وإن كان الغرض من وجوبه هو الوصلة إلى الأحكام الواقعية، إلا أن تخلف الغرض لا يوجب سقوط العقاب. فلو خالف الاحتياط، وأقدم على قتل المشتبه، وصادف كونه مهدور الدم كان اللازم استحقاقه للعقوبة.
قلت: فرق بين علل التشريع وعلل الأحكام، والذي لا يضر تخلفه هو الأول، لأنها تكون حكمة تشريع الأحكام، وأما علة الحكم فالحكم يدور مدارها، ولا يمكن أن يتخلف عنها، ولا إشكال أن الحكم بوجوب حفظ نفس المؤمن علة للحكم بالاحتياط، لأن أهمية ذلك أوجب الاحتياط.