ومن ذلك يظهر: أنه لا مضادة بين إيجاب الاحتياط وبين الحكم الواقعي، فإن المشتبه إن كان مما يجب حفظ نفسه واقعا فوجوب الاحتياط يتحد مع الوجوب الواقعي، ويكون هو هو، وإن لم يكن كذلك فلا يجب الاحتياط، لانتفاء علته، وإنما المكلف يتخيل وجوبه، هذا كله إذا كانت مصلحة الواقع تقتضي جعل المتمم من إيجاب الاحتياط.
وإن لم تكن المصلحة الواقعية بهذه المثابة من الأهمية فللشارع جعل المؤمن بلسان الرفع كحديث الرفع (1)، أو بلسان الوضع كقوله: " كل شئ لك حلال " (2)، فإن المراد من الرفع ليس رفع التكليف عن موطنه، بل رفع التكليف عما يستتبعه من التبعات، وإيجاب الاحتياط، فالرخصة المستفادة من حديث الرفع نظير الرخصة المستفادة من حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان، فكما أن هذه الرخصة لا تنافي الحكم الواقعي كذلك الرخصة المستفادة من حديث الرفع.
والسر في ذلك: هو أن هذه الرخصة تكون في طول الحكم الواقعي، ومتأخر رتبتها عنه، لأن الموضوع فيها هو الشك في الحكم، من حيث كونه موجبا للحيرة في الواقع وغير موصل إليه، فقد لوحظ في الرخصة وجود الحكم الواقعي، ومعه كيف يعقل أن تضاد الحكم الواقعي.
وبالجملة: الرخصة والحلية المستفادة من حديثي الرفع والحل تكون في عرض المنع والحرمة المستفادة من إيجاب الاحتياط، وقد عرفت أن إيجاب