مثله من بعض الأحكام الفعلية لأجل مصلحة هي أقوى المصالح وأتمها، فهو نظير من يقطع يده لأجل حفظ نفسه فيما لو توقف عليه، فقطع اليد وإن لم يكن ذا مصلحة - بل يكون عين المفسدة - إلا أن معارضته مع شئ آخر أقوى منه أوجب الإقدام عليه، مع كونه ذا مفسدة، كما لا يخفى.
ثم إن ما ذكرنا: يجري في جميع الأمارات والأصول، ولا اختصاص له بالأول، فإن اعتبار قاعدتي الفراغ والتجاوز، وإلغاء الشك بعد الوقت، وعدم وجوب ترتيب الأثر عليه، مع أن ذلك قد يؤدي إلى عدم الإتيان بالمأمور به - بعضا أو كلا - يمكن أن يكون لملاحظة أن تفويض الناس إلى ما يقتضيه عقولهم من ثبوت الاشتغال إلى أن يعلم الفراغ ربما يوجب تنفر الناس وإعراضهم عن أصل الشريعة، لعدم تحقق العلم لهم بإتيان التكاليف واجدة لجميع ما يعتبر فيها، إلا قليلا، ضرورة أن أكثرهم في شك من ذلك غالبا. فهذه المصلحة التي هو أقوى المصالح أوجبت رفع اليد عن بعض المصالح الضعيفة، وإن كان الحكم على طبقها حكما فعليا، وكان الإتيان بها محبوبا للمولى في نفسها، كما لا يخفى.
فتلخص من جميع ذلك: أن الحكم الواقعي الفعلي عند قيام الأمارة على خلافه يخرج عن الفعلية، بمعنى أن المولى لا يريد إجرائه، فيصير كالأحكام الإنشائية التي لا يكون المقصود بها عمل الناس على طبقها، إلا في زمان ظهور دولة الحق بقيام صاحب الأمر (عليه السلام)، كالحكم بنجاسة العامة على ما في بعض الروايات.
وأما ما أفاده بعض محققي العصر - على ما في تقريرات بحثه -: من أنه لا يعقل الحكم الإنشائي، بل الذي يكون في الواقع هو إنشاء الأحكام، وهو عبارة عن تشريعها وجعلها على موضوعاتها المقدرة وجودها بجميع ما اعتبر فيها من القيود والشرائط على نهج القضايا الحقيقية. ودعوى أن الحكم الواقعي في مورد