ثالثها: موارد تخلف الأصول الغير المحرزة، والتفصي عن الإشكال يختلف في كل منها.
أما باب الطرق والأمارات: فليس المجعول حكما تكليفيا، حتى يتوهم التضاد بينه وبين الحكم الواقعي، بل المجعول فيها إنما هو الحجية والوسطية في الإثبات، وهو أمر عقلائي، ومما تناله يد الجعل. وحينئذ فليس حال الأمارة المخالفة إلا كحال العلم المخالف، فلا يكون في البين إلا الحكم الواقعي فقط، أصاب الطريق الواقع أو أخطأ، فإنه عند الإصابة يكون المؤدى هو الحكم الواقعي، كالعلم الموافق، ويوجب تنجيز الواقع، وعند الخطأ يوجب المعذورية وعدم صحة المؤاخذة عليه، كالعلم المخالف، من دون أن يكون هناك حكم آخر مجعول (1)، انتهى ملخصا. هذا ما أفاده في التفصي عن الإشكال في خصوص الأمارات.
ويرد عليه أولا: أنه ليس في باب الأمارات والطرق العقلائية الإمضائية حكم مجعول أصلا، لا الحجية ولا الوسطية في الإثبات، ولا الحكم التعبد به، ضرورة أنه ليس فيها إلا مجرد بناء العقلاء عملا على طبقها، والمعاملة معها معاملة العلم، من دون أن يكون هنا جعل في البين، والشارع أيضا لم يتصرف فيها، بل عمل بها، كما يعمل العقلاء في أمورهم.
وثانيا: فلو سلم الجعل الشرعي فالمجعول فيها ليس إلا إيجاب العمل بالأمارات تعبدا، كما يظهر بملاحظة الروايات الواردة في ذلك، مثل قوله (عليه السلام):
" إذا أردت حديثا فعليك بهذا الجالس " (2)، مشيرا إلى زرارة، وقوله (عليه السلام): " وأما