ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا تعارض الأصلين، أي أصالة العموم وأصالة عدم الاستخدام، لابد من تقديم الثاني بحسب المتفاهم العرفي، كما هو الشأن في جميع موارد تعارض ظهور القرينة مع ظهور ذي القرينة، فان الأول يقدم مطلقا، كما يظهر لمن راجع تلك الموارد، مثل رأيت أسدا يرمى أو ضربته فتدبر، فتحصل ان الأقوى هو القول الخامس، ثم الأول.
تعارض المفهوم مع العموم الفصل الخامس: إذا تعارض العام مع المفهوم، فهل يقدم المفهوم على العموم، أو العكس، أولا هذا ولا ذاك، أم هناك تفصيل وجوه وأقوال.
وقد استدل لتقديم العموم، بان دلالة العام على العموم ذاتية أصلية، ودلالة اللفظ على المفهوم تبعية، وطبيعي تقدم الأصلية على التبعية، ولعله إلى ذلك نظر صاحب المعالم قال إنه انما يقدم الخاص على العام من جهة أقوائية دلالته، وليس الامر هاهنا كذلك فان المنطوق أقوى دلالة من المفهوم، وان كان المفهوم خاصا فلا يصلح للمعارضة.
ويرد عليه ان دلالة اللفظ على المفهوم، انما هي من جهة دلالته على خصوصية مستتبعة له، ودلالته عليها، اما ان يكون بالوضع أو بمقدمات الحكمة، والمفروض ان دلالة العام على العموم أيضا لا تخلو من أحد هذين الامرين، أي الوضع، أو مقدمات الحكمة فما معنى كون إحدى الدلالتين ذاتية أصلية والأخرى تبعية.
واستدل لتقديم المفهوم مطلقا، وان كانت النسبة عموما من وجه، بان دلالة القضية على المفهوم عقلية، ودلالة العام على العموم لفظية، فلا يمكن رفع اليد عن المفهوم من جهة العموم، - وبعبارة أخرى - ان المفهوم لازم عقلي للخصوصية التي تكون في المنطوق، وبديهي انه لا يعقل رفع اليد عن المفهوم من دون ان يتصرف في تلك الخصوصية لاستحالة انفكاك الملزوم عن لازمه والعكس، ورفع اليد عن تلك