ويدفع الاحتمال الأول: ان الظاهر من الامر الذي امر به كما في ساير موارد استعماله إرادة البعث الجدي منه لا الامر الصوري فقط، وعلى ذلك فمقتضى الظهور تعين الاحتمال الثاني، فالظاهر من الأدلة كون الامر بالامر بشئ أمرا به مشروطا بما إذا امر المأمور الأول، اللهم الا، ان يثبت عدم ترتب غرض على توسيط الامر الأول، فحينئذ يكون أمرا به مطلقا هذا ما يقتضيه الأدلة الاجتهادية.
ولو لم يظهر من الأدلة شئ من هذه الاحتمالات فلابد من الرجوع إلى الأصل العملي وهو يقتضى الاحتمال الأخير، لو دار الامر بين الاحتمالين الأخيرين. واما مع الاحتمال الأول، فهو مقتضى الأصل، كل ذلك مما يقتضيه أصالة البراءة.
ويظهر ثمرة هذا البحث في شرعية عبادات الصبي وعدمها، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في الجزء الثامن من فقه الصادق في كتاب الحج.
الامر بشئ بعد الامر به.
الثالث عشر: إذا ورد امر بشئ بعد الامر به قبل امتثاله، فهل يوجب تكرار ذلك الشئ، أو تأكيد الامر الأول، وجهان، والا ظهر هو حمل الامر على التأكيد وذلك لوجهين:
الأول: ان ظاهر المادة هو ذلك إذ الطبيعة الواحدة لا يتعلق بها الامر تأسيسا مرتين، ولا يعارض ذلك ظاهر الهيئة، فان ما قيل من ظهورها في التأسيس في نفسه - ممنوع - بناءا على المختار في الانشاء من أنه ابراز للامر النفساني لا ايجاد لشئ كما تقدم. نعم، إرادة التأكيد خلاف مقتضى البلاغة إذا لم يكن لنكتة مقتضية لذلك.
الثاني: ان حمل الامر على التأسيس يستلزم تقييد اطلاق المادة الواقعة في حيز الخطاب الأول بفرد وتقييد المادة الواقعة في حيز الخطاب الثاني بفرد آخر، إذ كما أن الطلب مرتين لا يتعلق بصرف وجود الطبيعة كذلك لا يتعلق أحدهما بصرف الوجود والآخر بالفرد بل لا بد من تقييد كلا المتعلقين، وعليه فو سلم كون حمل الامر على التأكيد خلاف الظاهر فليس بحد يصلح للمقاومة مع هذين الظهورين.