وجه آخر لصحة الترتب وان شئت قلت إن طلب الضدين لا يكون قبيحا بنفسه، وانما يتصف بالقبح، فيما إذا لزم منه إرادة الجمع بينهما وإذا لم يلزم منه ذلك فلا مانع منه: إذ المانع من التكليف بذلك بعد فرض عدم التنافي بين الحكمين أنفسهما، وعدم التنافي بين مبدأيهما من المصلحة والحب والشوق، ليس الا التنافي بين الامتثالين، وبعبارة أخرى التكليف بغير المقدور، والخارج عن قدرة المكلف، هو الجمع بينهما، والتكليف بأحد المتنافيين حال التكليف بالآخر، انما يلزم منه إرادة الجمع إذا كان كلاهما مطلقين أو مقيدين بحال الاتيان بالآخر، أو كان أحدهما مطلقا والاخر مقيدا بذلك.
واما لو كان أحدهما مطلقا، والاخر مقيدا بعدم ايجاد المكلف متعلق الاخر فلا يلزم منه ذلك - بيانه - ان لازم مطلوبية الجمع وقوع كل منهما في الخارج على صفة المطلوبية، وان كان في حال وقوع الاخر لو فرض امكان الجمع ووقوعه، واللازم على تقدير تقييد أحد الامرين بعدم وقوع متعلق الاخر في الخارج منتف، ضرورة انه مع وقوع ما يكون عدمه شرطا في تحقق التكليف بالآخر يكون وقوع الاخر على غير صفة المطلوبية لفقد شرط مطلوبيته.
وان شئت التوضيح فافرض الترتب، في التكليفين المتعلقين بما يمكن الجمع بينهما مثلا لو قال الامر صم يوم الخميس وكن في المسجد في ذلك اليوم من أوله إلى آخره إذا تركت الصيام فيه، فإنه على تقدير الجمع بين الصيام، والدخول في المسجد لا يقع الثاني منهما على صفة المطلوبية فان مطلوبيته مقيدة بعدم فعل الصيام.
فان قلت إن مانع التكليف بالمتنافيين وهي إرادة الجمع متحققة في هذا الفرض، غاية الامر ان تحققه مبنى على امر محال وهو تحقق التناقض، وذلك لأنه مع فرض تنجز التكليف المشروط بمعصية التكليف الاخر يكون ذلك التكليف أيضا ثابتا لأنه لم يحدث بعد ما يوجب سقوطه من مضى زمانه أو امتثاله، ولازم بقائه حينئذ وجود متعلقه