وبعبارة أخرى: أن العرف لأجل مناسبة الحكم والموضوع يلغي الخصوصية، ويحكم بأن الموضوع في الاستصحاب هو الحجة في مقابل اللا حجة، فيلحق الظن المعتبر باليقين، والظن الغير المعتبر بالشك.
ويؤيد ذلك بل يدل عليه قوله في صحيحة زرارة الثانية: (لأ نك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا) (1) الظاهر منه إجراء استصحاب طهارة اللباس، ولا بد أن تحمل الطهارة على الواقعية منها، لعدم جريان الاستصحاب في الطهارة الظاهرية لما ذكرنا سابقا (2).
ومعلوم: أن العلم الوجداني بالطهارة الواقعية مما لا يمكن عادة، بل العلم إنما يحصل بالأمارات، كأصالة الصحة، وإخبار ذي اليد، وأمثالهما، فيرجع مفاده إلى أنه لا ترفع اليد عن الحجة القائمة بالطهارة بالشك.
بل يمكن أن يؤيد بصحيحته الأولى أيضا، فإن اليقين الوجداني بالوضوء الصحيح أيضا مما لا يمكن عادة، بل الغالب وقوع الشك في الصحة بعده، ويحكم بصحته بقاعدة الفراغ، بل الشك في طهارة ماء الوضوء يوجب الشك فيه، فاليقين بالوضوء أيضا لا يكون يقينا وجدانيا غالبا تأمل.
ويؤيده أيضا بعض الروايات التي يظهر منها جريان الاستصحاب في مفاد بعض الأمارات، كما دل على جواز الشهادة والحلف مع الاستصحاب في الغائب المنقطع خبره إذا وصل [خبر] موته بعد ثلاثين سنة، وشك في إحداث الحدث في أمواله، وحدوث وارث جديد له، وكلف القاضي الشهود ليشهدوا بأن أمواله له، ووراثه