مائعا كان خمرا سابقا وشك في بقاء خمريته، فلا إشكال في جريان استصحاب الخمرية وثبوت الحرمة له.
ولا يصح أن يقال: إن استصحاب الخمرية لا يثبت المسكرية التي هي موضوع الحكم لدى العقل إلا بالأصل المثبت، لأن ترتب الحرمة إنما يكون على المسكر أولا وبالذات، وعلى الخمر ثانيا وبالواسطة.
وذلك لأن الواسطة عقلية خفية، لا يراها العرف واسطة.
وليس المراد بخفاء الواسطة ان العرف يتسامح وينسب الحكم إلى الموضوع دون الواسطة مع رؤيتها، لأن الموضوع للأحكام الشرعية ليس ما يتسامح فيه العرف، بل الموضوع للحكم هو الموضوع العرفي حقيقة ومن غير تسامح، فالدم الحقيقي بنظر العرف موضوع للنجاسة، فإذا تسامح وحكم على ما ليس بدم عنده أنه دم لا يكون موضوعا لها، كما أنه لو حكم العقل بالبرهان بكون شئ دما أو ليس بدم لا يكون متبعا، لأن الموضوع للحكم الشرعي ما يكون موضوعا لدى العرف.
والسر في ذلك: أن الشارع لا يكون في إلقاء الأحكام على الأمة إلا كسائر الناس، ويكون في محاوراته وخطاباته كمحاورات بعض الناس بعضا، فكما أن المقنن العرفي إذا حكم بنجاسة الدم لا يكون موضوعها إلا ما يفهمه العرف مفهوما ومصداقا، فلا يكون اللون دما عنده، وليس موضوعا لها، كذلك الشارع بالنسبة إلى قوانينه الملقاة إلى العرف، فالمفهومات عرفية، وتشخيص مصاديقها أيضا كذلك.
فما وقع في كلام المحقق الخراساني رحمه الله وتبعه بعضهم: من أن تشخيص المفاهيم موكول إلى العرف، لا تشخيص مصاديقها، فإنه موكول إلى العقل (1).