و (أما ثالثا) فلان الاستصحاب إنما يجري عند عدم الدليل. وقد دل الدليل على اشتراط الحياة في المفتي، وهو أمران:
(الأول) - الاجماع المدعى في كلمات جماعة من الأكابر: كالشهيد (ره) وأمثاله. ولا يخفى أنه لا تضر - بدعوى الاجماع في المقام - مخالفة المحقق القمي (ره) والأخباريين، لان مخالفته (ره) مبنية على ما ذكره: من أنه لا دليل على حجية فتوى المفتي إلا دليل الانسداد الجاري في حق العامي. ومقتضاه جواز تقليد الميت كالحي، وقد ذكرنا أن دليل جواز التقليد غير دليل الانسداد. وأما الأخباريون فمخالفتهم إنما هو لأجل أن الرجوع إلى المفتي عندهم من قبيل الرجوع إلى الراوي، لزعمهم أن التقليد بدعة. ولا مجال لأعمال الرأي والاجتهاد في الأحكام الشرعية.
وقد مر في تعريف الاجتهاد أن ما ذكروه إنما يتم على ما يراه العامة في معنى الاجتهاد وأما على ما عرفناه، فلا محذور فيه أصلا.
(الثاني) - أن الآيات والروايات - الدالة على حجية فتوى المجتهد - ظاهرة في اعتبار الحياة في المفتي، فان ظاهر قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) هو اتصاف المسؤول بكونه أهل الذكر عند السؤال. ومن الظاهر عدم صدق هذا العنوان على الميت. ومن هنا يظهر وجه الدلالة في مثل قوله (ع):
" من كان من الفقهاء... الخ " وقوله (ع): " انظروا إلى رجل قد روى حديثنا... الخ " فالظاهر من هذه الأدلة اعتبار الحياة في المفتي. وهذا بخلاف الرواية فإنه لم يعتبر في حجيتها حياة الراوي. والوجه في هذا الظهور: أنا المرجع في باب التقليد هو المفتي، فلابد من أن يكون حيا حين الرجوع إليه لا الفتوى، بخلاف باب الرواية، فان المرجع فيه هي الرواية لا الراوي. ويظهر هذا الفرق من مراجعة أدلة المقامين، فان المستفاد - من الآيات والروايات الدالة على حجية الفتوى - أن