(الصورة الثالثة) - ما إذا وقع التعارض بين عامين من وجه، وورد المخصص على مادة الافتراق في كل منهما، كما إذا دل دليل على استحباب اكرام العلماء، ودل دليل آخر على كراهة إكرام الفساق. ودل دليل ثالث على وجوب اكرام العالم العادل ودل دليل رابع على حرمة اكرام الفاسق الجاهل. فيقع التعارض بين دليل الاستحباب ودليل الكراهة في مادة الاجتماع - وهي العالم الفاسق - وبعد تخصيص دليل الاستحباب بدليل الوجوب لكونه أخص منه يكون مورد دليل الاستحباب منحصرا في العالم الفاسق. وكذا الحال في دليل الكراهة، إذ بعد تخصيصه بدليل الحرمة ينحصر مورده أيضا في العالم الفاسق، فتكون النسبة بينهما بعد تخصيصهما هو التباين، لدلالة أحدهما على استحباب اكرام خصوص العالم الفاسق، والآخر على كراهته، فلابد من الرجوع إلى المرجحات أو الحكم بالتخيير على ما سيجئ إن شاء الله تعالى.
وهل يلاحظ الترجيح أو التخيير بين العامين فقط، أو بين الأدلة الأربعة؟ ذهب المحقق النائيني (ره) إلى الأول، لأنه بعد تخصيص كل من العامين بالنسبة إلى مادة الافتراق ينحصر مفادهما في مادة الاجتماع، فيقع التعارض بينهما فيها بالتباين، فلابد من ترجيح أحدهما على الآخر، أو الحكم بالتخيير بينهما.
والتحقيق هو الثاني، لما ذكرناه سابقا من أن منشأ التعارض - في أمثال هذه المقامات - انما هو العلم الاجمالي بعدم صدور أحد المتعارضين. وفى المقام ليس لنا علم اجمالي بعدم صدور خصوص أحد العامين من وجه، بل لنا علم بعدم صدور أحد هذه الأدلة الأربعة، إذ لو لم يصدر أحد العامين أو أحد الخاصين لم يكن تناف بين الثلاثة الباقية. اما لو لم يصدر أحد العامين، فواضح. واما لو لم يصدر أحد الخاصين فلانه بعد تخصيص أحد العامين يصير أخص من العام الآخر، فيخصص به، فإذا لابد من ملاحظة الترجيح بين الأدلة الأربعة، وطرح أحدها والاخذ بالثلاثة الباقية