لجهة من الجهات، لا عدم العلم والاطمئنان بالحكم الواقعي فقط، إذ الاشكال بهذا المعنى موجود في جميع الأحكام الفقهية، سوى القطعيات.
وبالجملة، مورد القرعة نظرا إلى مورد الروايات الواردة فيها هو اشتباه الحكم الواقعي والظاهري، فالمراد - من المجهول في قوله (ع) في رواية: " كل مجهول ففيه القرعة " - هو المجهول المطلق (أي المجهول من حيث الحكم الواقعي والظاهري).
وظهر بما ذكرناه أنه يقدم الاستصحاب على القرعة تقدم الوارد على المورود، إذ بالاستصحاب يحرز الحكم الظاهري، فلا يبقى للقرعة موضوع بعد كون موضوعه الجهل بالحكم الواقعي والظاهري على ما ذكرناه، بل يقدم على القرعة أدنى أصل من الأصول كاصالة الطهارة وأصالة الحل وغيرهما مما ليس له نظر إلى الواقع، بل يعين الوظيفة الفعلية في ظرف الشك في الواقع، إذ بعد تعيين الوظيفة الظاهرية تنتفي القرعة بانتفاء موضوعه.
وظهر بما ذكرناه أيضا أنه لا أساس لما هو المعروف في ألسنتهم: من أن أدلة القرعة قد تخصصت في موارد كثيرة. وكثرة التخصيص صارت موجبة لوهنها، فلا يمكن اخذ بها إلا في موارد انجبر ضعفها بعمل الأصحاب فيها. وذلك، لان الموارد التي لم يعمل فيها بالقرعة إنما هو لعدم اشتباه الحكم الظاهري فيها لجريان قاعدة من القواعد الظاهرية، لا لأجل تخصيص أدلة القرعة، فلم تثبت كثرة التخصيص فيها الموجبة لوهنها.
نعم قد يعمل بالقرعة في بعض الموارد مع جريان القاعدة الظاهرية، للنص الخاص الوارد فيه، كما إذا اشتبه غنم موطوء في قطيع، فإنه ورد نص دال على أنه ينصف القطع ويقرع. ثم يجعل نصفين ويقرع، وهكذا إلى أن يعين الموطوء، فيجتنب عنه دون الباقي. ولولا النص الخاص، لكان مقتضى القاعدة هو الاحتياط والاجتناب عن الجميع.