انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك... ".
وبالجملة لا ينبغي الاشكال في كون القاعدة من الامارات، وحينئذ إن قلنا يكون الاستصحاب من الأصول، فقد ظهر وجه تقدمها عليه مما ذكرناه في تقدم سائر الامارات على الأصول من أن الأصول وظائف مقررة للشاك في مقام العمل، فلا مجال للاخذ بها بعد إثبات الواقع - ولو بالتعبد الشرعي - لقيام الأمارة، وإن قلنا بكون الاستصحاب أيضا من الامارات - كما التزم به المحقق النائيني (ره) وتبعناه - فقد ذكر المحقق المزبور أن القاعدة حاكمة على الاستصحاب، لان أدلة القاعدة واردة في موارد جريان الاستصحاب، كما في الشك في الركوع بعد الدخول في السجود، فأدلة القاعدة ناظرة إلى أدلة الاستصحاب وشارحة لها.
وفيه أن الحكومة بالمعنى المصطلح هو كون الحاكم بمدلوله اللفظي ناظرا إلى المحكوم وشارحا له، بحيث لو لم يكن الدليل المحكوم موجودا لكان الدليل الحاكم لغوا، كقوله (ع): " لاشك لكثير الشك... " فإنه حاكم على قوله (ع): " إذا شككت فابن على الأكثر... " لكونه شارحا له بمدلوله اللفظي، إذ لو لم يكن للشك حكم من الاحكام، لكان قوله (ع):
" لاشك لكثير الشك " لغوا. والمقام ليس كذلك، إذ قوله (ع):
" بلى قد ركع " ليس شارحا لقوله (ع): " إن كنت على يقين من طهارتك فلا تنقض اليقين بالشك " بحيث لو لم يكن قوله (ع): " لا تنقض اليقين بالشك " لزم كون قوله (ع): " بلى قد ركع " لغوا، فإنه لا مانع من جعل قاعدة كلية، وهي البناء على صحة العمل مع الشك في صحته بعد الفراغ عنه، ولو لم يكن الاستصحاب مجعولا أصلا. وما ذكره (ره) - من أن أدلة القاعدة واردة في موارد جريان الاستصحاب - صحيح، إلا أنه لا يقتضي الحكومة بالمعنى المصطلح، كما هو ظاهر.