بين أجزاء ماء واحد في الحكم بنجاسة بعض وطهارة بعض، فيسقط الاستصحابان عن مقام الحجية، إذ الاخذ بهما مخالف للاجماع، وبأحدهما المعين ترجيح بلا مرجح، وبأحدهما المخير يحتاج إلى دليل، فلابد من الرجوع إلى أصل آخر كاصالة الطهارة.
فالذي تحصل مما ذكرناه: أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في أطراف القلم الاجمالي إلا المخالفة العملية القطعية، أو الدليل الخارجي الدال على عدم جواز التفكيك كما مثلناه.
وأما الامارات فلا يمكن الاخذ بها في أطراف العلم الاجمالي ولو لم تلزم منه المخالفة العملية، كما إذا قامت بينة على نجاسة هذا الاناء بخصوصه، وقامت بينة أخرى على نجاسة ذاك الاناء مع العلم الاجمالي بطهارة أحدهما. وذلك، لحجية الامارات بالنسبة إلى اللوازم، فتدل الامارة الدالة على نجاسة هذا الاناء على طهارة الاناء الآخر بالملازمة. وكذا الامارة الأخرى، فيقع التعارض بينهما باعتبار الدلالة المطابقية في أحدهما، والالتزامية في الآخر، فيعامل معهما معاملة المتعارضين.
(المرحلة الرابعة) - في تعارض الاستصحاب مع بعض قواعد اخر مجعولة في الشبهات الموضوعية: كاصالة الصحة وقاعدتي الفراغ والتجاوز والقرعة وقاعدة اليد.
(اعلم) أن التباني على صحة العمل الصادر من الغير هو المسمى بأصالة الصحة، والتباني على صحة العمل الصادر من نفس المكلف هو المسمى بقاعدة الفراغ أو التجاوز، فإذا وقع التعارض بين الاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز، لا إشكال في تقدم قاعدة الفراغ والتجاوز عليه. وانما الكلام في وجه التقدم. فنقول: الظاهر من الأدلة كون القاعدة من الامارات، فان الشك في صحة العمل بعد الفراغ أو بعد التجاوز ناشئ من احتمال الغفلة والسهو، إذ ترك الجزء أو الشرط عمدا لا يجتمع مع