فانا وإن قلنا بأن بعض الأحكام الوضعية مجعول بالاستقلال على ما تقدم تفصيله، إلا أنه قد ذكرنا أن السببية والشرطية والملازمة من الأمور الانتزاعية قطعا، وتنتزع السببية والشرطية عن تقييد الحكم بشئ في مقام الجعل. وقد ذكرنا أن الفرق بين السبب والشرط مجرد اصطلاح، فإنهم يعبرون عن القيد المأخوذ في التكليف بالشرط، فيقولون: إن الاستطاعة شرط لوجوب الحج، وعن القيد المأخوذ في الوضع بالسبب، فيقولون: العقد سبب للزوجية أو الملكية.
وبالجملة بعد الالتزام بكون الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية، لا معنى لاستصحاب السببية. والمفروض في المقام عدم تحقق التكليف الفعلي حتى تنتزع منه السببية. هذا. مضافا إلى أنه لا يمكن جريان الاستصحاب في السببية ولو قيل بأنها من المجعولات المستقلة. وذلك، لأن الشك في بقاء السببية إن كان في بقائها في مرحلة الجعل لاحتمال النسخ، فلا اشكال في جريان استصحاب عدم النسخ فيه، ولكنه خارج عن محل الكلام، وإن كان في بقائها بالنسبة إلى مرتبة الفعلية، فلم تتحقق السببية الفعلية بعد حتى نشك في بقائها، لان السببية الفعلية إنما هي بعد تمامية الموضوع باجزائه، والمفروض في المقام عدم تحقق بعض اجزائه وهو الغليان، فالتحقيق أن الاستصحاب التعليقي مما لا أساس له.
بقي في المقام أمور:
(الأول) - ذكر الشيخ (ره) أن العقود التي لها آثار فعلية إذا شك في لزومها وجوازها، يتمسك لاثبات اللزوم باستصحاب بقاء تلك الآثار الفعلية، وإذا تمسك باستصحاب بقاء الملكية في المعاطاة وفى غير موضع من أبواب الخيارات.
وأما العقود التي ليس لها آثار فعلية، بل لها آثار تعليقية، كالوصية والتدبير والسبق والرماية، فإنه لا يترتب على هذه العقود والايقاعات أثر فعلا، بل الأثر متوقف