وفيه أن نسخ جميع أحكام الشريعة السابقة - وإن كان مانعا عن جريان استصحاب عدم النسخ - إلا أن الالتزام به بلا موجب، فإنه لا داعي إلى جعل إباحة شرب الماء مثلا في الشريعة اللاحقة مماثلة للإباحة التي كانت في الشريعة السابقة.
والنبوة ليست ملازمة للجعل، فان النبي هو المبلغ للأحكام الإلهية.
وأما ما ذكره من أن بقاء حكم الشريعة السابقة يحتاج إلى الامضاء في الشريعة اللاحقة، فهو صحيح، إلا أن نفس أدلة الاستصحاب كافية في اثبات الامضاء، وليس التمسك به من التمسك بالأصل المثبت، فان الأصل المثبت إنما هو فيما إذا وقع التعبد بما هو خارج عن مفاد الاستصحاب. وفي المقام نفس دليل الاستصحاب دليل على الامضاء، فكما لو ورد دليل خاص على وجوب البناء على بقاء أحكام الشريعة السابقة إلا فيما علم النسخ فيه، يجب التعبد به، فيحكم بالبقاء في غير ما علم نسخه، ويكون هذا الدليل الخاص دليلا على الامضاء. فكذا في المقام، فان أدلة الاستصحاب تدل على وجوب البناء على البقاء في كل متيقن شك في بقائه، سواء كان من أحكام الشريعة السابقة أو من أحكام هذه الشريعة المقدسة. أو من الموضوعات الخارجية، فلا اشكال في استصحاب عدم النسخ من هذه الجهة. والعمدة في منعه هو ما ذكرناه.
وأما ما قيل - في وجه المنع من أن العلم الاجمالي بنسخ كثير من الاحكام مانع عن التمسك باستصحاب عدم النسخ - فهو مدفوع بأن محل الكلام إنما هو بعد انحلال العلم الاجمالي بالظفر بعدة من موارد النسخ. والاشكال من ناحية العلم الاجمالي غير مختص بالمقام، فقد استشكل به في موارد: (منها) - العمل بالعام مع العلم الاجمالي بالتخصيص و (منها) - العمل بأصالة البراءة مع العلم الاجمالي بتكاليف كثيرة. و (منها) - المقام.
والجواب في الجميع هو ما ذكرناه من أن محل الكلام بعد الانحلال.
(التنبيه الثامن) - في البحث عن الأصل المثبت، وأنه هل تترتب