فإنه لا يعلم أن النجاسة دائرة مدار التغير حدوثا وبقاء، أو انها باقية بعد زوال التغير أيضا لكونه علة لحدوثها فقط. وهذا القسم هو محل الكلام في جريان الاستصحاب.
وظهر بما ذكرنا من تحقيق موارد الاستصحاب التعليقي: أن تمثيلهم له بماء الزبيب غير صحيح، فان الاستصحاب إنما هو فيما إذا تبدلت حالة من حالات الموضوع فشك في بقاء حكمه، والمقام ليس كذلك، إذ ليس المأخوذ في دليل الحرمة هو عنوان العنب ليجري استصحاب الحرمة بعد كونه زبيبا، بل المأخوذ فيه هو عصير العنب وهو الماء المخلوق في كامن ذاته بقدرة الله تعالى، فان العصير ما يعصر من الشئ من الماء، وبعد الجفاف وصيرورته زبيبا لا يبقى ماؤه الذي كان موضوعا للحرمة بعد الغليان. وأما عصير الزبيب، فليس هو إلا ماء آخر خارج عن حقيقته وصار حلوا بمجاورته، فموضوع الحرمة غير باق ليكون الشك شكا في بقاء حكمه، فيجري فيه الاستصحاب. وبعد الغض عن المناقشة في المثال نقول: إن الشك في بقاء الحكم الشرعي يتصور على وجوه ثلاثة لا رابع لها:
(الأول) - ما إذا كان الشك في بقاء الحكم الكلي في مرحلة الجعل لاحتمال النسخ.
(الثاني) - ما إذا كان الشك في بقاء الحكم الجزئي لاحتمال عروض تغير في موضوعه الخارجي، ويعبر عنه بالشبهة الموضوعية، كما إذا علمنا بطهارة ثوب واحتملنا نجاسته لاحتمال ملاقاته البول مثلا.
(الثالث) - ما إذا كان الشك في بقاء الحكم الكلي المجعول لأجل الشك في سعة موضوعه وضيقه في مقام الجعل، ويعبر عنه بالشبهة الحكمية، كما إذا شككنا في حرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال لاحتمال أن يكون الموضوع لحرمة الوطء خصوص المرأة حال رؤيتها الدم، أو المحدث بحدث الحيض، ليعم