فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا، فإذا لا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، ومجرد اختلافهما في نوع الدلالة لا يوجب الترجيح كما هو ظاهر.
الثاني: أن ثبوت الإطلاق في كل من الشمولي والبدلي وإن توقف على مقدمات الحكمة إلا أن الإطلاق البدلي يزيد على الإطلاق الشمولي بمقدمة واحدة، وتلك المقدمة هي إحراز تساوي أفراد الطبيعة في الوفاء بغرض المولى، من دون تفاوت بينها في ذلك أصلا.
والسبب فيه: أن مقدمات الحكمة تختلف زيادة ونقيصة باختلاف الموارد، ففي موارد إثبات الإطلاق الشمولي تكفي مقدمات ثلاث:
الأولى: ثبوت الحكم للطبيعة الجامعة دون حصة خاصة منها.
الثانية: كون المتكلم في مقام البيان.
الثالثة: عدم نصب قرينة على الخلاف.
فإذا تمت هذه المقدمات تم الإطلاق، ومقتضاه ثبوت الحكم لتمام أفرادها على اختلافها ومراتب تفاوتها، وذلك كالنهي عن شرب الخمر - مثلا - فإنه بمقتضى إطلاقه يدل على حرمة شرب كل فرد من أفراده الطولية والعرضية على اختلافها وتفاوتها من ناحية الملاك شدة وضعفا. وكالنهي عن قتل النفس المحترمة فإن قضية إطلاقه ثبوت الحرمة لقتل كل نفس محترمة مع تفاوتها من حيث الملاك، لوضوح أن ملاك حرمة قتل نفس النبي أو الوصي أشد بمراتب من ملاك حرمة قتل نفس غيره...، وهكذا. وكالنهي عن الكذب فإنه يدل على حرمة تمام أفراده مع تفاوتها بتفاوت الملاك شدة وضعفا، فإن الكذب على الله أو رسوله أشد من الكذب على غيره، وكالنهي عن الزنا فإن الزنا بالمحارم أشد من الزنا بغيرها...، وهكذا.
فالنتيجة: أن مفاد الإطلاق الشمولي ثبوت الحكم لتمام الأفراد بشتى أشكالها وألوانها على نسبة واحدة، ولا أثر لتفاوت الأفراد في الملاك شدة وضعفا من هذه الناحية أصلا.