فإذا كيف يعقل أن تتعلق الإرادة به كما تتعلق بالفعل الخارجي؟ ومن الواضح أنه لا فرق في استحالة أخذه في متعلق الإرادة بين أن يكون بالأمر الأول أو بالأمر الثاني.
وأما الثاني: فلأن ما أفاده (قدس سره) إنما يتم في الإرادة الشخصية حيث إنها لا يعقل أن تتعلق بما تنبعث منه، بداهة استحالة تعلق الإرادة الناشئة عن داع بذلك الداعي، لتأخرها عنه رتبة فكيف تتقدم عليه كذلك؟
أو فقل: إن هذه الإرادة معلولة لذلك الداعي فكيف يعقل أن تتقدم عليه وتتعلق به؟
وأما تعلق فرد آخر من الإرادة به غير الفرد الناشئ منه فلا استحالة فيه أصلا، وما نحن فيه من هذا القبيل، وذلك لأن الواجب فيه مركب على الفرض من فعل خارجي كالصلاة مثلا، وفعل نفساني كأحد الدواعي القربية، حيث إنه فعل اختياري للنفس يصدر عنها باختيارها وإرادتها وبلا واسطة إحدى قواها كقصد الإقامة وما شاكله. وقد تقدم تفصيل ذلك بصورة موسعة في ضمن البحوث السابقة (1). هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: قد ذكرنا سابقا بشكل مفصل: أن الملاك في كون الفعل اختياريا ما كان مسبوقا بإعمال القدرة والاختيار، سواء أكان من الأفعال الخارجية أم كان من الأفعال النفسانية (2).
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي أن الاختيار المتعلق بالفعل الخارجي كالصلاة - مثلا - غير الاختيار المتعلق بالفعل النفساني، فإن تعدد الفعل - بطبيعة الحال - يستلزم تعدد الاختيار وإعمال القدرة فلا يعقل تعلق اختيار واحد بهما معا، فإذا لا يلزم المحذور المتقدم، حيث إن الاختيار المتعلق بالفعل الخارجي هو الناشئ عن الفعل النفساني، يعني: أحد الدواعي القربية، والاختيار المتعلق به غير ذلك الاختيار ولم ينشأ منه.