قوله (وأنا منا المسلمون) هم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم (ومنا القاسطون) أي الجائرون الظالمون الذين حادوا عن طريق الحق، ومالوا إلى طريق الباطل، يقال قسط: إذا جار، وأقسط: إذا عدل (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) أي قصدوا طريق الحق. قال الفراء: أموا الهدى (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) أي وقودا للنار توقد بهم كما توقد بكفرة الإنس (وألوا استقاموا على الطريقة) هذا ليس من قول الجن بل هو معطوف على (أنه استمع نفر من الجن) والمعنى: وأوحى إلى أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما على الطريقة، وهي طريقة الإسلام، وقد قدمنا أن القراء اتفقوا على فتح أن ههنا. قال ابن الأنباري:
والفتح هنا على إضمار يمين تأويلها، والله أن لو استقاموا على الطريقة كما فعل، يقال في الكلام والله لو قمت لقمت كما في قول الشاعر:
أما والله أن لو كنت حرا * ولا بالحر أنت ولا العتيق قال: أبو علي أوحى إلى أنه استمع، وأن لو استقاموا، أو على آمنا به: أي آمنا به، وبأن لو استقاموا. قرأ الجمهور بكسر الواو من لو لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن وثاب والأعمش بضمها (لأسقيناهم ماء غدقا) أي كثيرا واسعا. قال مقاتل: ماء كثيرا من السماء، وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين. وقال ابن قتيبة: المعنى لو آمنوا جميعا لوسعنا عليهم في الدنيا، وضرب الماء الغدق مثلا لأن الخير كله والرزق بالمطر، وهذا كقوله - ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا - الآية، وقوله - ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب - وقوله - استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين - الآية. وقيل المعنى: وأن لو استقام أبوهم على عبادته وسجد لآدم ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم، واختار هذا الزجاج.
والماء الغدق: هو الكثير في لغة العرب (لنفتنهم فيه) أي لنختبرهم فنعلم كيف شكرهم على تلك النعم. وقال الكلبي: والمعنى وأن لو استقاموا على الطريقة التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفارا، لأوسعنا أرزاقهم مكرا بهم واستدراجا حتى يفتنوا بها فنعذبهم في الدنيا والآخرة. وبه قال الربيع بن أنس وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن والثمالي ويمان بن زيان وابن كيسان وأبو مجلز، واستدلوا بقوله - فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم