يتلوه عليهم بلسانهم لا جرم صرعهم الله أذل مصرع وقتلهم أقبح مقتل، ولعذاب الآخرة أشد لو كانوا يعلمون (وأنه تعالى جد ربنا) قرأه حمزة والكسائي وابن عامر وحفص وعلقمة ويحيى بن وثاب والأعمش وخلف والسلمي (وأنه تعالى) بفتح أن، وكذا قرءوا فيما بعدها مما هو معطوف عليها، وذلك أحد عشر موضعا إلى قوله (وأنه لما قام عبد الله) وقرأ الباقون بالكسر في هذه المواضع كلها إلا في قوله (وإن المساجد لله) فإنهم اتفقوا على الفتح، أما من قرأ بالفتح في هذه المواضع، فعلى العطف على محل الجار والمجرور في (فآمنا به) كأنه قيل فصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا الخ، وأما من قرأ بالكسر في هذه المواضع فعلى العطف على إنا سمعنا: أي فقالوا: إنا سمعنا قرآنا، وقالوا إنه تعالى جد ربنا إلى آخره. واختار أبو حاتم وأبو عبيد قراءة الكسر لأنه كله من كلام الجن ومما هو محكي عنهم بقوله فقالوا إنما سمعنا. وقرأ أبو جعفر وشعبة بالفتح في ثلاثة مواضع، وهي - وأنه تعالى جد ربنا. وأنه كان يقول سفيهنا. وأنه كان رجال من الإنس - قالا: لأنه من الوحي، وكسرا ما بقي لأنه من كلام الجن. وقرأ الجمهور " وأنه لما قام عبد الله " بالفتح لأنه معطوف على قوله: أنه استمع. وقرأ نافع وابن عامر وشيبة وزر بن حبيش وأبو بكر والمفضل عن عاصم بالكسر في هذا الموضع عطفا على فآمنا به بذلك التقرير السابق، واتفقوا على الفتح في " أنه استمع " كما اتفقوا على الفتح في " أن المساجد " وفي " وأن لو استقاموا " واتفقوا على الكسر في " فقالوا إنا سمعنا " و " قل إنما ادعوا ربي " و " قل إن أدرى " و " قل إني لا أملك لكم ".
والجد عند أهل اللغة العظمة والجلال، يقال جد في عيني: أي عظم، فالمعنى: ارتفع عظمة ربنا وجلاله، وبه قال عكرمة ومجاهد. وقال الحسن: المراد تعالى غناه، ومنه قيل للحظ جد، ورجل مجدود: أي محظوظ وفي الحديث " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " قال أبو عبيد والخليل: أي لا ينفع ذا الغنى منك الغنى:
أي إنما تنفعه الطاعة، وقال القرطبي والضحاك: جده آلاؤه ونعمه على خلقه. وقال أبو عبيدة والأخفش:
ملكه وسلطانه. وقال السدي: أمره. وقال سعيد بن جبير (وأنه تعالى جد ربنا) أي تعالى ربنا، وقيل جده قدرته. وقال محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر الصادق والربيع بن أنس: ليس لله جد، وإنما قالته الجن للجهالة. قرأ الجمهور " جد " بفتح الجيم، وقرأ عكرمة وأبو حيوة ومحمد بن السميفع بكسر الجيم، وهو ضد الهزل، وقرأ أبو الأشهب " جدي ربنا " أي جدواه ومنفعته. وروى عن عكرمة أيضا أنه قرأ بتنوين " جد " ورفع " ربنا " على أنه بدل من جد (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) هذا بيان لتعالي جده سبحانه. قال الزجاج: تعالى جلال ربنا وعظمته عن أن يتخذ صاحبه أو ولدا، وكأن الجن نبهوا بهذا على خطأ الكفار الذين ينسبون إلى الله الصاحبة والولد، ونزهوا الله سبحانه عنهما (وإنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) الضمير في أنه للحديث أو الأمر، وسفيهنا يجوز أن يكون اسم كان، ويقول الخبر، ويجوز أن يكون سفيهنا فاعل يقول، والجملة خبر كان، واسمها ضمير يرجع إلى الحديث أو الأمر، ويجوز أن تكون كان زائدة، ومرادهم بسيفهم عصاتهم ومشركوهم. وقال مجاهد وابن جريج وقتادة: أرادوا به إبليس، والشطط: الغلو في الكفر. وقال أبو مالك:
الجور، وقال الكلبي: الكذب، وأصله البعد عن القصد ومجاوزة الحد، ومنه قول الشاعر:
بأية حال حكموا فيك فاشتطوا * وما ذاك إلا حيث يممك الوخط (وإنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) أي إنا حسبنا أن الإنس والجن كانوا لا يكذبون على الله بأن له شريكا وصاحبة وولدا، فلذلك صدقناهم في ذلك حتى سمعنا القرآن، فعلمنا بطلان قولهم وبطلان ما كنا نظنه بهم من الصدق، وانتصاب كذبا على أنه مصدر مؤكد ليقول، لأن الكذب نوع من القول، أو صفة