قطعتم من ذلك أو تركتم فبإذن الله، والضمير في تركتموها عائد إلى " ما " لتفسيرها باللينة، وكذا في قوله (قائمة على أصولها) ومعنى على أصولها: أنها باقية على ما هي عليه.
واختلف المفسرون في تفسير اللينة، فقال الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل: إنها النخل كله إلا العجوة. وقال مجاهد: إنها النخل كله ولم يستثن عجوة ولا غيرها. وقال الثوري: هي كرام النخل، وقال أبو عبيدة: إنها جميع أنواع التمر سوى العجوة والبرني. وقال جعفر بن محمد: إنها العجوة خاصة، وقيل هي ضرب من النخل، يقال لتمرة اللون، ثمرة أجود التمر. وقال الأصمعي: هي الدقل، وأصل اللينة لونة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وجمع اللينة لين، وقيل ليان. وقرأ ابن مسعود " ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوما على أصولها " أي قائمة على سوقها، وقرئ " على أصلها " وقرئ " قائما على أصوله " (وليخزي الفاسقين) أي لبذل الخارجين عن الطاعة، وهم اليهود ويغيظهم في قطعها وتركها لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف شاءوا من القطع والترك ازدادوا غيظا. قال الزجاج: وليخزي الفاسقين بأن يريهم أموالهم يتحكم فيها المؤمنون كيف أحبوا من قطع وترك، والتقدير: وليخزي الفاسقين أذن في ذلك، يدل على المحذوف قوله (فبإذن الله) وقد استدل بهذه الآية على جواز الاجتهاد وعلى تصويب المجتهدين، والبحث مستوفى في كتب الأصول (وما أفاء الله على رسوله منهم) أي ما رده عليه من أموال الكفار، يقال فاء يفئ إذا رجع، والضمير في منهم عائد إلى بني النضير (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) يقال وجف الفرس والبعير يجف وجفا: وهو سرعة السير، وأوجفه صاحبه: إذا حمله على السير السريع، ومنه قول تميم بن مقبل:
مذ أو بد بالبيض الحديد صقالها * عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا وقال نصيب:
ألا رب ركب قد قطعت وجيفهم * إليك ولولا أنت لم يوجف الركب و " ما " في (فما أوجفتم) نافية، والفاء جواب الشرط إن كانت " ما " في قوله (ما أفاء الله) شرطية وإن موصولة فالفاء زائدة، " ومن " في قوله (من خيل) زائدة للتأكيد، والركاب ما يركب من الإبل خاصة، والمعنى: أن مارد الله على رسوله من أموال بني النضير لم تركبوا لتحصيله خيلاء ولا إبلا ولا تجشمتم لها شقة ولا لقيتم بها جريا ولا مشقة، وإنما كانت من المدينة على ميلين، فجعل الله سبحانه أموال بني النضير لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة لهذا السبب، فإنه افتتحها صلحا وأخذ أموالها، وقد كان سأله المسلمون أن يقسم لهم فنزلت الآية (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء) من أعدائه، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون أصحابه لكونهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، بل مشوا إليها مشيا، ولم يقاسوا فيها شيئا من شدائد الحروب (والله على كل شئ قدير) يسلط من يشاء على من أراد، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء - لا يسأل عما يفعل وهم يسألون - (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) هذا بيان لمصارف الفئ بعد بيان أنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، والتكرير لقصد التقرير والتأكيد، ووضع أهل القرى موضع قوله " منهم " أي من بني النضير للإشعار بأن هذا الحكم لا يختص ببني النضير وحدهم، بل هو حكم على كل قرية يفتحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلحا ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب. قيل والمراد بالقرى: بنو النضير وقريظة وفدك وخيبر. وقد تكلم أهل العلم في هذه الآية والتي قبلها؟ هل معناهما متفق أو مختلف، فقيل معناهما متفق كما ذكرنا، وقيل مختلف، وفي ذلك كلام لأهل العلم طويل. قال ابن