أو يدفع ضررا كما كانوا يحسبون ذلك في الدنيا (ألا إنهم هم الكاذبون) أي الكاملون في الكذب المتهالكون عليه البالغون فيه إلى حد لم يبلغ غيرهم إليه بإقدامهم عليه وعلى الأيمان الفاجرة في موقف القيامة بين يدي الرحمن (استحوذ عليهم الشيطان) أي غلب عليهم واستعلى واستولى. قال المبرد: استحوذ على الشئ حواه وأحاط به، وقيل قوى عليهم، وقيل جمعهم، يقال أحوذ الشئ: أي جمعه وضم بعضه إلى بعض، والمعاني متقاربة لأنه إذا جمعهم فقد قوى عليهم وغلبهم واستعلى عليهم واستولى وأحاط بهم (فأنساهم ذكر الله) أي أوامره والعمل بطاعاته، فلم يذكروا شيئا من ذلك، وقيل زواجره في النهي عن معاصيه، وقيل لم يذكروه بقلوبهم ولا بألسنتهم، والإشارة بقوله (أولئك) إلى المذكورين الموصوفين بتلك الصفات، وهو مبتدأ وخبره (حزب الشيطان) أي جنوده وأتباعه ورهطه (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) أي الكاملون في الخسران حتى كأن خسران غيرهم بالنسبة إلى خسرانهم ليس بخسران لأنهم باعوا الجنة والهدى بالضلالة، وكذبوا على الله وعلى نبيه وحلفوا الأيمان الفاجرة في الدنيا والآخرة (إن الذين يحادون الله ورسوله) تقدم معنى المحادة لله ولرسوله في أول هذه السورة، والجملة تعليل لما قبلها (أولئك في الأذلين) أي أولئك المحادون لله ورسوله المتصفون بتلك الصفات المتقدمة من جملة من أذلة الله من الأمم السابقة واللاحقة لأنهم لما حادوا الله ورسوله صاروا من الذل بهذا المكان. قال عطاء: يريد الذل في الدنيا والخزي في الآخرة (كتب الله لأغلبن وأنا ورسلي) الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها مع كونهم في الأذلين: أي كتب في اللوح المحفوظ، وقضى في سابق علمه: لأغلبن أنا ورسلي بالحجة والسيف. قال الزجاج:
معنى غلبة الرسل على نوعين: من بعث منهم بالحرب فهو غالب في الحرب، ومن بعث منهم بغير الحرب فهو غالب بالحجة. قال الفراء: كتب بمعنى قال، وقوله " أنا " توكيد، ثم ذكر مثل قول الزجاج (إن الله قوي عزيز) فهو قوي على نصر أوليائه غالب لأعدائه لا يغلبه أحد (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو لكل من يصلح له: أي يحبون ويوالون من عادي الله ورسوله وشاقهما، وجملة " يوادون " في محل نصب على أنها المفعول الثاني لتجد إن كان متعديا إلى مفعولين، أو في محل نصب على الحال إن كان متعديا إلى مفعول واحد، أو صفة أخرى لقوما: أي جامعون بين الإيمان والموادة لمن حاد الله ورسوله (ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) أي ولو كان المحادون لله ورسوله آباء الموادين الخ، فإن الإيمان يزجر عن ذلك ويمنع منه، ورعايته أقوى من رعاية الأبوة والبنوة والأخوة والعشيرة (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) يعني الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله، ومعنى (كتب في قلوبهم الإيمان) خلقه، وقيل أثبته، وقيل جعله، وقيل جمعه، والمعاني متقاربة (وأيدهم بروح منه) أي قواهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا، وسمى نصره لهم روحا لأن به يحيا أمرهم، وقيل هو نور القلب.
وقال الربيع بن أنس: بالقرآن والحجة، وقيل بجبريل، وقيل بالإيمان، وقيل برحمة. قرأ الجمهور " كتب " مبنيا للفاعل ونصب الإيمان على المفعولية. وقرأ زر بن حبيش والمفضل عن عاصم على البناء للمفعول ورفع الإيمان على النيابة. وقرأ زر بن حبيش " عشيراتهم " بالجمع، ورويت هذه القراءة عن عاصم (ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) على الأبد (رضي الله عنهم) أي قبل أعمالهم وأفاض عليهم آثار رحمته العاجلة والآجلة (ورضوا عنه) أي فرحوا بما أعطاهم عاجلا وآجلا (أولئك حزب الله) أي جنده الذين يمتثلون أوامره ويقاتلون أعداءه وينصرون أولياءه، وفي إضافتهم إلى الله سبحانه تشريف لهم عظيم وتكريم فخيم (ألا إن حزب الله هم