المرأة. ثم بين سبحانه شأن الظهار في نفسه وذكر حكمه فقال (الذين يظهرون منكم من نسائهم) قرأ الجمهور " يظهرون " بالتشديد مع فتح حرف المضارعة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " يظاهرون " بفتح الياء وتشديد الظاء وزيادة ألف، وقرأ أبو العالية وعاصم وزر بن حبيش " يظاهرون " بضم الياء وتخفيف الظاء وكسر الهاء، وقد تقدم مثل هذا في سورة الأحزاب. وقرأ أبي " يتظاهرون " بفك الإدغام - ومعنى الظهار أن يقول لامرأته:
أنت علي كظهر أمي: أي ولا خلاف في كون هذا ظهارا. واختلفوا إذا قال: أنت علي كظهر ابنتي أو أختي أو غير ذلك من ذوات المحارم، فذهب جماعة منهم أبو حنيفة ومالك إلى أنه ظهار، وبه قال الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري. وقال جماعة منهم قتادة والشعبي: إنه لا يكون ظهارا بل يختص الظهار بالأم وحدها. واختلفت الرواية عن الشافعي، فروى عنه كالقول الأول، وروى عنه كالقول الثاني، وأصل الظهار مشتق من الظهر.
واختلفوا إذا قال لامرأته أنت على كرأس أمي أو يدها أو رجلها أو نحو ذلك؟ هل يكون ظهارا أم لا، وهكذا إذا قال أنت علي كأمي ولم يذكر الظهر، والظاهر أنه إذا قصد بذلك الظهار كان ظهارا. وروى عن أبي حنيفة أنه إذا شبهها بعضو من أمه يحل له النظر إليه لم يكن ظهارا. وروى عن الشافعي أنه لا يكون الظهار إلا في الظهر وحده.
واختلفوا إذا شبه امرأته بأجنبية، فقيل يكون ظهارا وقيل لا، والكلام في هذا مبسوط في كتب الفروع، وجملة (ما هن أمهاتهم) في محل رفع على أنها خبر الموصول. أي ما نساؤهم بأمهاتهم، فذلك كذب منهم، وفي هذا توبيخ للمظاهرين وتبكيت لهم. قرأ الجمهور " أمهاتهم " بالنصب على اللغة الحجازية في إعمال " ما " عمل ليس.
وقرأ أبو عمرو والسلمي بالرفع على عدم الإعمال، وهي لغة نجد وبني أسد. ثم بين سبحانه لهم أمهاتهم على الحقيقة فقال (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) أي ما أمهاتهم إلا النساء اللائي ولدنهم. ثم زاد سبحانه في توبيخهم وتقريعهم فقال (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) أي وإن المظاهرين ليقولون بقولهم هذا منكرا من القول: أي فظيعا من القول ينكره الشرع، والزور الكذب، وانتصاب منكرا وزورا على أنهما صفة لمصدر محذوف: أي قولا منكر وزورا (وإن الله لعفو غفور) أي بليغ العفو والمغفرة، إذ جعل الكفارة عليهم مخلصة لهم عن هذا القول المنكر (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) لما ذكر سبحانه الظهار إجمالا ووبخ فاعليه شرع في تفصيل أحكامه، والمعنى: والذين يقولون ذلك القول المنكر الزور، ثم يعودون لما قالوا: أي إلى ما قالوا بالتدارك والتلافي كما في قوله - أن تعودوا لمثله - أي إلى مثله. قال الأخفش: (لما قالوا) وإلى ما قالوا يتعاقبان. قال - وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا - وقال - فاهدوهم إلى صراط الجحيم - وقال - بأن ربك أوحى لها - وقال - وأوحى إلى نوح - وقال الفراء: اللام بمعنى عن، والمعنى: ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء. وقال الزجاج: المعنى ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا. قال الأخفش أيضا: الآية فيها تقديم وتأخير، والمعنى: والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما كانوا عليه من الجماع (فتحرير رقبة) لما قالوا: أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا. فالجار في قوله (لما قالوا) متعلق بالمحذوف الذي هو خبر المبتدأ وهو فعليهم.
واختلف أهل العلم في تفسير العود المذكور على أقوال: الأول أنه العزم على الوطء وبه قال العراقيون أبو حنيفة وأصحابه، وروي عن مالك. وقيل هو الوطء نفسه وبه قال الحسن، وروى أيضا عن مالك. وقيل هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق وبه قال الشافعي. وقيل هو الكفارة، والمعنى: أنه لا يستبيح