فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى فقتلهم الملوك ونشرتهم بالمناشير، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازرة الملوك ولا بالمقام معهم فساحوا في الجبال وترهبوا فيها وهم الذين قال الله (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم) هم الذين آمنوا بي وصدقوني (وكثير منهم فاسقون) الذين جحدوني وكفروا بي ". وأخرج النسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: " كانت ملوك بعد عيسى بدلت التوراة والإنجيل، فكان منهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل فقيل لملوكهم ما نجد شيئا أشد من شتم يشتمنا هؤلاء إنهم يقرءون - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون - - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون - فأولئك هم الفاسقون - مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم، فادعوهم فليقرءوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا، فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل، أو ليتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منهما، فقالوا ما تريدون إلى ذلك؟ دعونا، فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم، وقالت طائفة: دعونا سيح في الأرض ونهيم ونأكل مما تأكل منه الوحوش ونشرب مما تشرب، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة: ابنوا لنا دورا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم، وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ففعلوا ذلك، فأنزل الله (رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها) وقال الآخرون ممن تعبد من أهل الشرك وفنى من فنى منهم قالوا: نتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبق منهم إلا القليل انحط صاحب الصومعة من صومعته وجاء السياح من سياحته وصاحب الدير من ديره، فآمنوا به وصدقوه، فقال الله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته) أجرين بإيمانهم بعيسى ونصب أنفسهم والتوراة والإنجيل، وبإيمانهم بمحمد وتصديقهم (ويجعل لكم نورا تمشون به) القرآن واتباعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ". وأخرج أحمد والحكيم الترمذي وأبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله ". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري في قوله (كفلين) قال: ضعفين وهي بلسان الحبشة. وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله (يؤتكم كفلين من رحمته) قال: الكفل ثلاثمائة جزء وخمسون جزءا من رحمة الله.
(١٨٠)